يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الروسي دميتري بابيتش أنّ روسيا أثبتت من خلال المشاورات التي نظمتها بين أطراف الأزمة السورية قدرتها على لعب دور الوسيط، في حين أنّ الغرب دعم بكلّ الوسائل جميع الأطراف المناوئة للرئيس بشار الأسد.
يرى بابيتش في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ جولة موسكو الثانية ستكون أكثر أهمية وإنتاجية لجهة تقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية في كثير من الملفات، وذلك بعد أن فتحت الجولة الأولى أبواباً مهمة للحوار، الأمر الذي سيساهم في تذليل كثير من العقبات التي وقفت عائقاً أمام تحقيق تقدّم في جولات التفاوض السابقة.
ويؤكد بابيتش أنّ العوامل الخارجية باتت تلعب الدور الرئيس في الأزمة السورية، إذ إنّ دولاً عربية مثل السعودية وقطر إلى جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والإقليمية تحاول رسم معالم سورية السياسية في المستقبل، انطلاقاً من مصالحها وبما يتناسب مع سياساتها في المنطقة من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الشعب السوري بمكوّناته كافة.
ويشير الكاتب الروسي إلى دورٍ سلبي لبعض الدول التي ساهمت منذ بدء الأزمة في تمويل بعض فصائل المعارضة ودعمها بالسلاح والعتاد، معتبراً أنّ تلك الخطوات ساهمت في تعقيد الأزمة، وبالتالي إلى جرِّها نحو الخيارات العسكرية، وهو ما أدّى إلى تعميم الفوضى في محافظات عدة من البلاد، الأمر الذي ساهم إلى حدٍّ كبير في تكوين بيئة مناسبة للمنظمات الإرهابية المتطرِّفة. ويعتبر أنّ الدعم الغربي الأعمى لجميع معارضي الأسد بلا استثناء هو السبب الرئيس في تشكل تنظيم «داعش» وغيره من الفصائل الإرهابية.
ويرى بابيتش أن واشنطن لم تأخذ درساً من التجربة الأفغانية، بل إنها دخلت الى الملعب السوري بالنهج نفسه الذي دخلت به في أفغانستان، حيث أنها لم تتمكن إلى الآن من القضاء على حركة «طالبان» التي صنعتها بنفسها.
ويرجّح بابيتش أنْ لا يتمكن تنظيم «داعش» من الصمود كحركة «طالبان» لسنوات طويلة، علماً أنّ الضربات الجوية التي ينفذها التحالف لم تستطع إلى الآن القضاء على قواعده ومنابع تمويله. لذلك لا بدّ من اتخاذ خطوات مناسبة للقضاء على التنظيمات الإرهابية وذلك لا يتحقق إلّا بالتعاون بين الدول الفاعلة على مسرح السياسة الدولية وتحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وينتقد بابيتش بشدّة دور القيادة التركية في سوريا، مؤكداً «أنّ الرأي العام التركي لا يرغب بالتصعيد أو الدخول في حرب مع سوريا». ويتساءل عن أهداف الرئيس رجب طيب أردوغان من الوقوف إلى جانب واشنطن وحلفائها في سيناريوهات تعميم حال الفوضى التي باتت على حدود بلاده، حيث إنّ مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية»
(داعش) الإرهابي أصبحوا يسيطرون على كثير من المناطق الحدودية مع تركيا، الأمر الذي يهدِّد أمنَ تركيا بشكل مباشر. ولا يستبعد أن تنتقل عدوى «داعش»، إلى الأراضي التركية إذا ضاق الخناق عليها في الأراضي السورية.
متوقعاً تراجع أردوغان عن سياسته المتبعة في سوريا، في اعتبار أنّ الأشهر القليلة الماضية شهدت انخفاضاً واضحاً في سقف تصريحاته تجاه إسقاط النظام السوري بصرف النظر عن الوسائل، وذلك بعد أن أدرك أنّ الرهان على الحسم العسكري في إسقاط الأسد لم يعد واقعياً، وأنْ لا بديلَ من الحوار بين المعارضة والنظام للوصول إلى حلٍّ سياسي للأزمة.
ويرى بابيتش «أنّ السبب الرئيس لنموّ الإرهاب في الشرق الأوسط هو الحضارة التي يحاول الغرب فرضها عليه، في حين أنّ الغرب نفسه لم يتوصل الى تلك الحضارة إلّا بعد مرور أكثر من مئتي عام، والآن يحاول فرضها خلال بضعة أعوام على مجتمعٍ يحمل ثقافة مختلفة كلياً».