Site icon IMLebanon

موسكو: قرار حماية الاستقرار صامد

«داغستان» تضع تجربتها بتصرف لبنان!

موسكو: قرار حماية الاستقرار صامد

إذا كانت موسكو تضع الملف السوري في طليعة أولوياتها الإقليمية وبالتالي تقارب ملفات المنطقة من النافذة الدمشقية، على قاعدة أن سوريا هي خط التماس المتقدم في المواجهة الساخنة مع الولايات المتحدة، إلا ان هذه الحقيقة الاستراتيجية لا تلغي حرص العاصمة الروسية على متابعة مسار الوضع اللبناني، إنما من دون الغرق في تفاصيله و»نفاياته» السياسية.

صحيح أن لبنان لا يشغل بال موسكو في هذه الأيام، وليس من ملف مستقل يحمل اسمه في دوائر القرار لديها، ولكن الصحيح ايضا أن هناك ثابتة أساسية وراسخة، حتى الآن، في السياسة الروسية الخارجية وهي مواصلة حماية الاستقرار اللبناني وتقليص معدلات تأثره بالازمة السورية، قدر الإمكان، الى أن تتضح صورة المنطقة وتستقر معادلاتها بالطريقة التي تحافظ على التوازن الدولي في الشرق الاوسط وتمنع أميركا أو «داعش» من القبض على مفاصله.

وبهذا المعنى، فإن لبنان هو في المقاربة الروسية جزء من كل إقليمي، ولا يشكل قضية قائمة بحد ذاتها. المهم ألا تفلت الأمور فيه الى الحد الذي يمكن أن ينطوي على تشويش أو أعباء إضافية، في وقت تخوض فيه موسكو مواجهة متعددة الأضلاع لحماية مصالحها الاستراتيجية في العالم العربي.

وتحت هذه المظلة سمع زوار موسكو مؤخرا دعما للحوار اللبناني المتجدد والذي «يشكل المدخل الاساسي لمعالجة أزماتكم، خصوصا ان العالم منشغل بهمومه..» كما قال المبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لوفد «اللقاء الوطني» الذي زار موسكو برئاسة الوزير السابق عبد الرحيم مراد وعضوية النائبين وليد سكرية وقاسم هاشم وأمين سر اللقاء هشام طبارة.

ولئن كانت صيغة النظام السياسي في لبنان تترنح بفعل انسداد شرايينها وعجزها عن تنظيم عملية توزيع السلطة تحت وطأة تفاقم هواجس الطوائف والمذاهب، وتضارب مصالحها وخياراتها، إلا ان نائب رئيس مجلس الشيوخ الروسي الياس مخانوف الذي التقى ايضا الوفد اللبناني، حاول رفع معنويات أعضائه ورفده بجرعة من الأمل، عندما روى لهم تجربة جمهورية «داغستان» التي تعود جذوره اليها، (وهي أحد الكيانات الفدرالية صاحبة الحكم الذاتي ضمن روسيا الاتحادية)، قائلا: تركيبتنا في «داغستان» تشبه تركيبتكم اللبنانية من حيث تنوع مكونات مجتمعنا، ونحن لدينا أقليات عديدة متعايشة في ما بينها، وكلها ممثلة في الحكم، وتجربتنا ناجحة.

وتعتبر موسكو أن من الأهمية بمكان في هذه المرحلة ان يدفع اللبنانيون في اتجاه إعادة تفعيل مؤسساتهم الدستورية، والسعي الى انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق، مؤكدة ثباتها على دعم الحكومة والجيش اللبناني.

وينبه الروس الى أن المحيط الاقليمي مشتعل، ويهدد بمخاطر حقيقية يجب عدم تجاهلها أو التقليل من فداحتها، الامر الذي يستدعي من اللبنانيين تحصين ساحتهم الداخلية لمنع تمدد الحريق اليها «في حين ان التفكك يسهّل اتساع رقعة النيران نحوها..» وفق ما أكد بوغدانوف الذي شدد على ضرورة حماية الاستقرار اللبناني، لان البديل منه هو الفوضى التي تضر مصالح الجميع ولا يستفيد منها سوى الارهاب، مشيرا الى أن القرار الدولي بالمحافظة على هذا الاستقرار لا يزال ساري المفعول.

وينصح الروس بأن تتبادل الاطراف اللبنانية التنازلات، لان من شأن ذلك أن يساهم في تحسين شروط التعامل مع الرياح الاقليمية الحارة.

وفي إشارة سياسية لافتة للانتباه وتحاكي الواقع اللبناني، قال بوغدانوف للوفد الزائر انه عندما تحتدم الازمات في دولة معينة، يجري في العادة الاحتكام الى الشعب، وهو ما استنتج منه بعض أعضاء الوفد تشجيعا على إجراء الانتخابات النيابية في لبنان.

وعلى هامش اللقاء المطول الذي أجراه مع الوفد اللبناني، لم يفت بوغدانوف، الذي كان يعمل في السفارة الروسية في بيروت خلال الحرب الأهلية وبنى شبكة علاقات واسعة مع الشخصيات والقوى السياسية، خصوصا في الحركة الوطنية، ان يستعيد أيام «أبو أنيس» (الشهيد جورج حاوي) ويسأل عن أحوال «ابو خالد» (محسن ابراهيم).