بعد مضيّ أسبوعين على إطلاق مسار تشاوري لجعل مبادرة الرئيس سعد الحريري للاقتراب من ترشيح العماد ميشال عون، أمراً واقعاً، دخلت هذه المبادرة «غرفة عناية الأسئلة الأساسية» التي تشكل الأجوبة الشافية عليها مدخلاً إجبارياً لإتمامها وإنجاحها.
يتركز جوهر هذه الأسئلة على تشخيص الجهة التي تملك مفتاح إنهاء العقدة التي تحول حتى الآن دون ايصال المبادرة الى خاتمتها السعيدة. وتعتبر أجواء الرابية ومعراب أنّ هذا المفتاح الذهبي موجود عند الرئيس نبيه برّي، وأنه في حال نجح «حزب الله» في إقناعه بتأييد مبادرة الحريري فإنّ عون سيصل حتماً إلى قصر بعبدا.
فيما عين التينة ومعها أجواء داخل بيئة النائب وليد جنبلاط وغيره من الاطراف المسيحية المستقلة، يعتبرون أنّ مفتاح العقدة موجود في السعودية التي لم تُعطِ بعد الضوء الأخضر للحريري ولا حتى الضوء الأصفر، بل ما تقدّمه إليه هو ضوء أحمر غير مباشر يُحذّره من أنّه سيكون عليه تحمّل تداعيات خطوته التي تتوقع منذ الآن أنها ستكون سلبية.
بهذا المعنى، فإنّ البحث الجاري لتحديد الجهة الممسكة بمفتاح حلّ عقدة اتمام مبادرة الحريري، لم يؤدّ للعثور عليه، أو أقله لا يزال محلّ سجال وتقديم اسئلة حائرة عنه، ولكن في الخلاصة استقرّت بورصة هذا البحث عند الحيرة لجهة هل مفتاح إنقاذ المبادرة موجود في عين التينة أم في السعودية أم أنه غير موجود أساساً – كما توحي بيئات سياسية كثيرة – لأنّ توقيت المبادرة التي تطرح نوعاً من التسوية الداخلية بين فريقين ينتميان إلى محورَي الصراع الذي بدأ اقليمياً في سوريا واليمن والعراق، وأصبح الآن عالمياً، يأتي في عز الاشتباك الاقليمي والدولي في المنطقة، أي في لحظة الصدامات وليس التسويات.
كما أنّ الاستقصاء عن ردود الفعل الخارجية على مبادرة الحريري وفكرة ايصال عون الى رئاسة الجمهورية كنوع من «تسوية الضرورة» لإنقاذ البلد من ازمة اقتصادية خانقة باتت تدق على الابواب، أسفر بحسب معلومات ديبلوماسية موثوقة، عن الخلاصات الآتية:
أولاً، لا تزال موسكو على تأييدها ترشيح النائب سليمان فرنجية. وقبل اسبوع فقط وخلال عزّ حراك الحريري الداخلي والخارجي لتعريب فكرته عن ترشيح عون، كان مسؤول كبير في الخارجية الروسية، يمتاز بأنه منخرط في رسم وتنفيذ سياسات موسكو في المشرق العربي، يؤكد في محادثة لها صفة رسمية ديبلوماسية أنّها تؤيد ترشيح فرنجية.
صحيح أنّ المسؤول الروسي لم يُبدِ اعتراضه على ترشيح عون، لكنّ توقيت كلامه عن دعم موسكو لفرنجية في لحظة تطرح فيها بقوة مبادرة الحريري ترشيح عون، يحمل معنى مبطناً وواضحاً، مفاده أنّ موسكو غير متحمّسة لترشيحه الأخير.
طبعاً موسكو من ناحية المبدأ ترى أنّ التطورات السورية الحامية، تجعلها متفرّغة حالياً وحتى خلال المدى المنظور، لإدارة مجرياتها وإعطاء اولوية في سياستها الخارجية لترقب ما سيحدث فوق الساحة السورية، وعليه لا متسع حالياً على أجندتها لتكرار دعم مبادرة الحريري ترشيح عون كما فعلت حينما عرض عليها دعم مبادرته ترشيح فرنجية. اضف الى ذلك فإنّ كلام المسؤول الروسي، يوحي بأنه حتى لو كانت موسكو في وارد التحرك للمساعدة في إنتاج حلّ لأزمة الفراغ الرئاسي، فإنها تفضل فرنجية.
ثانياً، ثمّة ملاحظة تُشدّد عليها مصادر ديبلوماسية في بيروت، مفادها أنّ مقتل المبادرة هو في توقيتها الاقليمي والدولي، فهي لم تأتِ في وقت يشهد فيه الاقليم والعالم صراعاً عادياً، بل في توقيت بات يصطلح عليه داخل الامم المتحدة بأنّه «اسابيع الزلازل داخل خريطة تحالفات المنطقة والعالم»، والمتسبب في ذلك هو انهيار تفاهم كيري – لافروف في سوريا.
ومن الامثلة على نوعية الزلازل دخول العلاقات المصرية – السعودية التي تُعتبر علاقة استراتيجية من وجهة نظر طرفيها، لحظة افتراق حرجة وذلك على خلفية انتقاد مندوب السعودية في الامم المتحدة تصويت القاهرة لصالح المشروع الروسي في أزمة حلب.
وتخلص هذه المصادر إلى القول إنّ أحداً في العالم، لا يستطيع اليوم فتح «بازار مقايضة» سواء كانت مباشرة او غير مباشرة، ولو على اصغر قضية في المنطقة وضمنها لبنان.
وبدل ذلك ترى المصادر أنّ المطلوب من لبنان حالياً تحصين الاقتصاد عبر تفعيل عمل الحكومة ومجلس النواب بما يخدم هذا الهدف، وأيضاً تحصين وضعه الأمني لدرء أيّ محاولة من «داعش» للانتقام من نجاح الجيش في إيقاف أميرها في مخيم عين الحلوة، خصوصاً بعد تهديدات أصدرتها قيادة الرقة الداعشية بهذا الخصوص.
كما أنّ مجرّد انتقاء جمال الرميض الملقب بـ»الشيشاني» لتعيينه أميراً جديداً لـ«داعش» في عين الحلوة، يتضمّن رسالة تهديد الى لبنان ليس فقط من «داعش»- الرقة بل من الحالة الجهادية العالمية التي ينتمي اليها الشيشاني.
فرغم أنّ الرميض فلسطيني الجنسية، لكنّ لقب الشيشاني وصل اليه بفعل قتاله في الشيشان. وكانت المخابرات الروسية سألت عنه منذ عامين إحدى الاجهزة الامنية اللبنانية، وأرادت الاستفسار عن لقبه ومعرفة جنسيّته وتوقعت أنّ من بين كلّ الرموز الإرهابية الموجودة في لبنان، فإنه يُعتبر من الأخطر على الامن العالمي وليس فقط اللبناني.
والفكرة التي طرحها تعيينه أميراً لـ«داعش» في المخيم هو أنها محاولة من الرقة لجعل بيئة الشيشاني في الحالة الإرهابية العالمية تستنفر للاسهام في الرد على توقيف امير «داعش» السابق في عين الحلوة.