ذهاب بنيامين نتنياهو إلى موسكو، يُعطي، من بين أعطيات كثيرة، إشارة لمّاعة وإضافية على حجم الورطة التي أدخل «حزب الله» نفسه فيها في سوريا، طالما أنّه الوجه الأبرز للسياسة الإيرانية التي لم تجد أمامها سوى الروس لمحاولة إنقاذ بشار الأسد من مصيره المحتوم.
قبل ذهاب نتنياهو، وفي سياقات الزيارة والعلاقات الناشطة بين إسرائيل وروسيا، كان تعيين افيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع جزءاً من ذلك المشهد العام الذي يتبلور باتجاهات غير مسبوقة تصل إلى حدّ اعتبار ذلك التعيين رسالة إلى ساكن الكرملين تلاقي تطلّعه إلى إقامة علاقات استراتيجية مبنية على المصالح المتبادلة، كما على الأواصر «الثقافية والأسرية» التي أفرزها ويفرزها وجود مئات الألوف من الإسرائيليين من ذوي الأصول الروسية!
والتركيبة اللغوية السابقة هذه، منقولة بالحرف (تقريباً) عن أحد تصريحات فلاديمير بوتين شخصياً! وهو الذي لم يوفّر مناسبة إلاّ وانتهزها كي يؤكّد مدى «إيمانه» بمستقبل العلاقات بين موسكو وتل أبيب.. ورهانه على توظيف حتى «البُعد العائلي» في خدمة تلك العلاقات!
وذلك شأن يثير بعض الأسى في المخيال العربي، ويحركش بعض الوجدانيات المتأتية من المرحلة السابقة التي كان فيها الروس «حلفاء» و»أصدقاء» ومصدر التسليح وغير ذلك.. وكان يمكن الاكتفاء بتلك الأبعاد «العاطفية»! طالما أنّ الدنيا تغيّرت وزمن الأوّل تحوَّل، لولا أنّ المعضلة (الفعلية بالمناسبة) تكمن في أنّ تطوُّر العلاقات بين موسكو وتل أبيب يترافق ويتزامل ويتزامن مع ضمور آفاق التسوية الخاصة بالقضية الفلسطينية من جهة، وتطوُّر النكبة السورية باتجاهات أكثر سواداً وقتامة من جهة ثانية.
وبهذا المعنى، لا تضيف زيارة نتنياهو ولا تعيين ليبرمان، شيئاً على برنامج العمل المعتمد راهناً من قِبَل الحكومة الإسرائيلية أكان باتجاه كتم ما تبقّى من أنفاس تسووية أو باتجاه «حماس» في غزة، أو «حزب الله» في لبنان. وهو برنامج لا تجوز أبداً قراءته على غير حقيقته. وهذه تقول بأنّ إسرائيل لن ترتكب أي «خطوة» يمكن أن تُفسد موسم أفراحها بما يجري في محيطها! وبما يفعله «أعداؤها» المفترضون في سوريا واليمن والعراق.. وخصوصاً لجهة ما يتعرّض له «حزب الله» من تكسير واستنزاف وهريان وعلى مدار الساعة.. ولذلك يضحّ الظن والافتراض بأنّ المعنى الوحيد الذي يعتدّ به، لتطوُّر العلاقات بين موسكو وتل أبيب (راهناً) هو ذلك الخاص بالوضع السوري! وبوجود «حزب الله» في عين العاصفة النكبوية المتولّدة من ذلك الوضع.
والتكرار واجب: «حزب الله» مستمر في حربه ضدّ غالبية الشعب السوري وينخرط في معارك يعتمد فيها أساساً على غطاء جوّي توفّره طائرات حربية روسية! وهذه كما هو معلوم ومفهوم، لا تنفّذ طلعة أو نزلة واحدة من دون تنسيق مسبق ودقيق ومباشِر مع الإسرائيليين! والهدف الأخير والنهائي المطلوب هو إلحاق هزيمة كاسحة بأعداء بشار الأسد!
وهذا مشهد واقعي وليس سوريالياً! ولا افتراضياً، ولا شبهة افتراء فيه! لكن ذروته لا تكمن في خلاصاته بل بالطريق إليها: «حزب الله» وإيران يريدان من حربهما في سوريا المحافظة عليها كمنصّة نفوذ ومقرّ ومعبر لـ»المقاومة»، لكنهما يكتشفان يوماً تلو آخر، وغارة تلو غارة، واغتيالاً تلو اغتيال!، أنّ رفقة الدرب مع الروس لا تأخذهما إلى ما يريدان، بل إلى ما يريده هو.. وما يريده واضح وموجود عند نتنياهو وليبرمان وليس عندهما!