لم يعرف الرئيس السابق بشار الأسد أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو آت إلى سوريا! وذلك أمر، على واقعيته، لا يُكمله سوى تقصّد موسكو إهانته من خلال تجاهله وعدم إبلاغه بالزيارة، ثم إذاعة تلك الإهانة على الهواء! من دون تشذيب ولا تهذيب ولا مراعاة لما تبقى من حياء عند تابعها الأسد.
وهذه تفاصيل صغيرة لكنها تدلّ على خلاصات كبيرة. من ضمنها، أن موسكو ما عادت «تشعر» أن هناك «رئيس» في سوريا يجب أخذ الإذن منه لزيارة «بلده»! أو ربما لم يغب شعورها ذاك تماماً لكنها تريد أن تفهمه مرة أخرى أنه بقي حتى اليوم في مكانه لأنها هي أرادت ذلك! وعندما تقرر تغيير تلك الإرادة فإن مكانه سيتغير حكماً!
ولهذا المعطى ترجمة شكلية وأخرى جوهرية. في الأولى تجاهل تام لكل الإجراءات المألوفة في التعامل بين الدول و»قادتها» وتبادل الزيارات الرسمية! وفي الثانية لطمة على الرأس في ريف حلب الجنوبي من خلال الامتناع عن استخدام الطيران الروسي في المعارك الكبيرة التي جرت هناك. ثم الإعلان رسمياً ومن موسكو عن هدنة قصيرة، ثم طلب هدنة طويلة! وطبعاً من دون تنسيق مسبق مع «الحلفاء» بل بطريقة صادمة لهم، خصوصاً بعد اجتماع طهران الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والأسدي، والسيناريوات العسكرية الفضفاضة التي جرى تسويقها بعده.
وهذه الصدمة لبشار الأسد والإيرانيين، منسوخة عن الصدمة التي ضربتهم سابقاً من خلال إعلان فلاديمير بوتين في منتصف آذار الماضي فجأة قراره بالانسحاب من العملية العسكرية بعد أن حققت قواته أهدافها في سوريا!
بغضّ النظر عن مقومات ذلك الانسحاب ومداه، والذي تبيّن أنه كان جزئياً إلى حد كبير.. فإنه في المناسبتين السعيدتين، السابقة والراهنة، سجّلت مواقف أسدية إيرانية نُظر ويُنظر إليها باعتبارها مسبّبات مباشرة للغضب الروسي!
في المرة الأولى (آذار الماضي) خرج الأسد ليتحدث عن «حسم عسكري» ويعلن عن إجراء «انتخابات» تشريعية من خارج سياق المفاوضات والمشاورات الأميركية والروسية (أساساً). وكان ذلك مشفوعاً بمواقف لفريقه المفاوض تقول إن «مصيره» غير مطروح للنقاش لا في جنيف ولا في غيرها! وبالأمس أيضاً خرج ليتحدث عن «تحرير» سوريا شبراً شبراً من «الإرهابيين» مع أن أحداً (بالمناسبة!) لم يلحظ له منذ سنوات، وجوداً مباشراً ولو على بعد شبر واحد من معقله الدمشقي المحصّن!
في الخلاصة: كلما أراد الأسد وحماته الإيرانيون القول إن بوتين يشتغل عندهم وينفّذ ما يطلبونه منه! ويحاولون فرض أجندتهم وتصورّهم لـ»الحل» المطلوب، يخرج عليهم زعيم الكرملين بقرار صادم، مُرفقاً إيّاه بلطمة على الرأس (ميدانياً!) تعيد تذكيرهم بأنه صاحب قرار وليس تابعاً، وجاء إلى سوريا وفق حساباته وليس حساباتهم، وأنه في الإجمال، هو وليسوا هم، من يقرر مآل الأمور في سوريا تبعاً لـ»تفاهماته» مع الأميركيين وموجبات مصالح بلاده العليا!
.. وقصة المصالح هذه، في كل حال، تجد سنداً كبيراً لها من خلال تطورات الميدان، خصوصاً في ريف حلب الجنوبي في الأيام الماضية، والتي تقول عموماً، إن تورّط موسكو في النكبة السورية على الطريقة التي يطلبها الإيرانيون وتابعهم رئيس سوريا السابق، ليس أمراً حكيماً أو مفيداً أو مضموناً على الإطلاق، طالما أن هناك معارضة مسلّحة تثبت بعد خمس سنوات من الجحيم، أنها أبعد ما تكون عن الانكسار أو الانهزام أو الاندثار بل العكس تماماً!