Site icon IMLebanon

موسكو لفصل «داعش» و«النصرة» في عرسال عن العمق السوري

أي تدخّل سعودي ـ إماراتي يجب أن يتم بالتنسيق مع النظام

موسكو لفصل «داعش» و«النصرة» في عرسال عن العمق السوري

  9

ينظر الروس الى الحرب الدائرة حاليّا بين «داعش» و «جبهة النصرة» بغية احتلال جرود عرسال ومنطقة الحدود اللبنانية ـ السورية بعين استراتيجية مرتبطة بما يدور في الدّاخل السوري. وتذكّر أوساط ديبلوماسيّة روسية رفيعة تحدّثت الى «السفير» بأنّ الخطر الإرهابي في سوريا طالما طرق أبواب الحدود اللبنانية؛ ويَعتبِر هذان التنظيمان البقعة اللبنانية جزءا أساسيا من المواجهة في سوريا، وبالتالي فإنّ عملية «تحرير» سوريا من الإرهابيين التي تقوم بها روسيا تضيّق على هذين التنظيمين وسواهما وتمنع التسلل الى لبنان مما ينعكس إيجابا عليه.

وتشير الأوساط الروسية الى أنه «ليس صدفة أن نقرأ دوما عن ارتباط هذه المجموعات الإرهابية في عرسال وسواها بمجموعات مماثلة لها في تدمر والرقّة أو في الغوطة ومحيط دمشق… وبالتالي فإنّ قطع الاتّصال بين المناطق اللبنانية المتواجدة فيها هذه الجماعات وبين عمقها الإستراتيجي في المناطق السورية أفضل بكثير». وتردف: «لذا، فمن مصلحة لبنان انتصار الجيش النظامي السوري على الأراضي السورية على داعش وجبهة النصرة بغاية عزلهما كليا عن حدوده».

لتحقيق هذه الغاية يرى الروس أن «المهامّ متكاملة بين الجيش السوري الذي يقوم بما عليه في سوريا، وبين الجيش اللبناني الذي ينفّذ المهامّ الموكلة إليه بشكل ممتاز أيضا». وقبل التوغّل في الجديد السوري، وهو الهمّ الروسي الأول حاليا في الشرق الأوسط، لا تبدي الأوساط الديبلوماسيّة الروسية الرفيعة تفاؤلا في إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية قريبا بسبب «عدم توافر المعطيات الإقليمية والداخلية».

ويرفض الروس التوغل أكثر في إبداء الرأي بالمبادرات الرئاسية، سواء تلك التي طرحها الرئيس سعد الحريري أو تلك التي رشحت عن المصالحة المسيحية بين «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحرّ». لسان حال الرّوس أنهم يؤيدون انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن «بتوافق اللبنانيين جميعهم» من دون تحديد مواصفات معينة. وتنظر روسيا بإيجابية الى المبادرات الأخيرة، وترى أنها «أوضحت الصورة الداخلية وتوزّع القوى، وهي تسمح بالبحث في قواسم مشتركة بين الأفرقاء». وتنصح هذه الأوساط «بضرورة مواصلة الحوار حول الموضوع الرئاسي وتكرار المحاولات والمبادرات التي لا بدّ أن تنجح في المستقبل».

التدخّل السعودي ـ الإماراتي يهدد وحدة سوريا

وبعد إعلان السعودية والإمارات العربية المتحدة وبعض الدول المؤازرة لها أنها مستعدّة لإرسال قوات برية الى سوريا لمحاربة تنظيم «داعش» ضمن إطار التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، تشير الأوساط الروسية التي تحدثت الى «السفير» الى أنّ موقفا روسيا معلنا سيصدر فور تأكد هذه الأخبار التي نسمعها عبر وسائل الإعلام. لكن في المبدأ إنّ أي تدخّل برّي في سوريا يتطلّب من وجهة نظر الرّوس التنسيق مع السلطات السورية الرسمية وإلا يعتبر غير شرعي، أما التحالف ضدّ الإرهاب فموجود وفق الشرعية الدولية. وتلفت الأوساط الى أن روسيا سوف تتعامل مع الموضوع إذا حصل فعليا وفقا لتطوّر الحوادث الميدانية. وتلفت الأوساط الروسية الى نقطة جوهرية تشير الى أن الروس اتفقوا مع الدول المعنية على الحفاظ على وحدة سوريا وأي تدخّل من هذا النوع يهدد الوحدة السورية. ولفتت الى أن التنسيق سيحصل خصوصا في الأجواء السورية إن حصل تدخل جوي ضد داعش وهو تنسيق موجود حاليا مع الأميركيين، أما بريا فستصبح الأمور أصعب والأمور متروكة حتى معرفة حجم القوات البرية والأهداف الحقيقية التي ستضعها».

زيادة الترسانة الروسية في سوريا

يرفض الرّوس تعبير «خلط الأوراق» الذي يستخدمه البعض في توصيف تدخّلهم الجوّي في سوريا منذ أيلول الفائت، فهذا التعبير يلمّح الى غموض في أهداف العملية الروسية العسكرية من وجهة نظرهم الديبلوماسية، علما بأنّ الهدف واضح في ذهن المسؤولين في موسكو ويتعلّق بمكافحة الإرهاب، ولا ضير إن فهم الآخرون أن روسيا لا تزال متشبّثة بدعم النظام السوري ومساعدته على الصمود لأنّه يمثّل بنظرها «الدّولة الشرعية» ومن واجبها مساعدتها ومؤازرة الجيش النظامي وصولا الى خلق وضع ميدانيّ جديد.

هذا الرأي الروسي المكرّر يستجدّ عليه أخيرا تطوّر سوف يظهر قريبا الى العيان ويتمثّل بقرار روسي «بزيادة الترسانة العسكرية في سوريا في المرحلة المقبلة بغية تحقيق الهدف المنشود، أي القضاء على الإرهاب» بحسب ما تكشف الأوساط الديبلوماسيّة الروسية الرفيعة.

لا يسهب الروس في شرح تفاصيل «الإنجازات الميدانية» في سوريا. يختصرون الأمر بقولهم إنه خلال فترة قصيرة «حرّروا» عددا كبيرا من المدن والقرى السورية، «وهذا التطوّر سيستمرّ في المرحلة القادمة فور زيادة الترسانة العسكريّة الموجودة والطيران الحربي المشارك على الجبهات كلّها في الشمال والجنوب».

«تحرير الأراضي السوريّة» هو تعبير تكرّره هذه الأوساط التي تربط بين التقدّم الميداني من جهة والعملية السياسية الجارية حاليا في جنيف، معتبرة بأنه «لولا التدخّل الروسي الميداني كان من المستحيل الانتقال الى مرحلة الجهود السلمية، سواء في لقاءي فيينا أو في خريطة الطريق التي بدأت مسارها عبر مفاوضات جنيف الحالية بين الشرائح السورية المختلفة».

ولعلّ ما ساعد على ذلك «هو إعادة إنعاش التعاون الروسي الأميركي الذي تجمّد بعد حوادث أوكرانيا والموقف الغربي المتشنّج من روسيا». يعمل الروس لتطوير هذه العملية السياسية بالتعاون الوثيق مع أميركا والأمم المتّحدة ويزمعون على تنفيذ خريطة الطريق التي رسمها القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بما يتضمنه من مطالب إنسانية وتحقيق الإصلاح السياسي وإجراء الانتخابات… «كلّ ذلك ضمن البرمجة الموضوعة من قبل روسيا والتي ستطبّق بالرغم من العراقيل التي تعترضها من قبل جزء من المعارضة السورية»، بحسب تعبير الأوساط الروسية.

ويشير الروس بذلك الى المعارضة التي انبثقت من اجتماع الرياض وتلك المدعومة من تركيا والتي تظهّرت في عملية تشكيل الوفود الى جنيف. يريد الروس أوسع تمثيل للمعارضة، لكن «الفيتو الروسي» لا يزال يصنف تنظيمات «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» و «داعش» و «جبهة النصرة»… الى فصائل أخرى، في خانة المعارضة العنيفة التي تصعّب تنفيذ وقف إطلاق النار.

والسؤال الذي يطرحه الروس اليوم هو الآتي: من سيشارك من الفصائل المعارضة في عملية وقف إطلاق النار فور التوافق عليها؟ الإجابة على هذا السؤال تتيح التمييز الفعلي، من وجهة النّظر الروسية، بين «الإرهابي وبين سواه»، والإرهابيون من وجهة نظرهم «هم من يرفضون الالتزام بوقف إطلاق النار والتعاون مع الجيش النظامي السوري». ولا يخفي الروس أن تنظيم «داعش» لن يكون شريكا في هذه العملية كلها.

تكامل روسي مع إيران

بالنسبة الى التنسيق الروسي مع إيران فهو «بنّاء»، بحسب الوصف الروسي الذي يرى أنّ موسكو وقفت دوما الى جانب مشاركة إيران الفعالة في صوغ حلول لقضايا المنطقة. تصف الأوساط الديبلوماسية الروسية إيران بأنها «شريك إستراتيجي بالنسبة الى روسيا، ولعل نجاح زيارة الرئيس بوتين الى إيران هو خير دليل على ذلك».

وعن الكلام عن تنافس بين طهران وموسكو في شأن النفوذ في سوريا، تشير الأوساط الديبلوماسيّة الروسيّة الى أن «لكلّ طرف دوره المتميّز في سوريا، فالنظام السوري يرحّب بالتدخّل الروسي ومواقف حلفائه هي أيضا إيجابية، والتشكيك لا يأتي إلا من المعسكر الغربي المناهض وبعض الأطراف الإقليمية، في حين أن إيران وحزب الله ينظران الى روسيا ويتعاملان معها بإيجابية».

وترى الأوساط الروسية أنه «لا مجال للتشكيك في هذا الأمر، لأن التدخّل الروسي الميداني أدى الى نجاح الجيش النظامي السوري وحلفائه عسكريا وأوصل الى استئناف العملية السياسية بموافقة النظام السوري أولا. لذلك لا طائل من الحديث عن منافسة أو تباين في وجهات النظر بين روسيا وإيران لأنّ الدولتين تكمّلان بعضهما البعض».