لم أعد أذكُر بالتحديد والتأكيد اسم القائل ذات أزمة سياسيّة إن لبنان محسوبٌ، أو محبوسٌ، دائماً في خانة ردّ الفعل أكثر ممّا هو للأفعال والمبادرات.
تُرى، هل هو الرئيس تقي الدين الصلح. فتشت، وراجعت، وسألت، ولكن من دون الحصول على نتيجة…
إلى هذه اللحظة لا يزال هذا “التوصيف” الدقيق ينطبق على هذا اللبنان. فلمجرَّد صدور قرار الرئيس فلاديمير بوتين بسحب القوات الروسيَّة من سوريا، انهالت التصريحات والتعليقات والتحليلات من كل حدب وصوب، لتؤكِّد بمعظمها أن حال لبنان سيتغيَّر قريباً إلى الأفضل.
وخصوصاً على جبهة الفراغ الرئاسي ومشتقاته، وحيث لا بدَّ من التقاء قوى خارجيَّة ومعنيَّة بالوضع اللبناني، وتفاهمها على هذا الأمر.
وعلى هذا الأساس توقَّف البعض عند سؤال عن “مصير” العلاقات بين السعوديَّة وإيران، وهل من احتمال لتحسّنها في القريب، سواءً على صعيد الوضع اليمني أم بالنسبة إلى مآل التطوُّرات في سوريا، واحتمالات مغادرة لبنان “مصح الفراغ” وعودته إلى حَرَم الحياة الطبيعيَّة.
والسؤال في محلّه. وحركة الرئيس سعد الحريري، وانفتاحه السياسي الواسع النطاق حتى على خصوم الأمس الأغنياء عن كل تعريف، تحمل إشارات تكاد تنطق بهذا الخصوص.
وما لم يقله الحريري بعد، وجد الرئيس نبيه برّي نفسه يصرِّح به، ويكرّرهُ في أكثر من مناسبة، ملمّحاً ومشجّعاً الناس على توقُّع انتخاب رئيس جمهوريّة خلال أسابيع.
حتماً، ليست المتغيِّرات المنشودة والمنتظرة والمتوقّعة في سوريا من أجل خاطر لبنان و“فراغاته“. إنّما الشيء بالشيء يُذكر. مثلما يُذكر دور “حزب الله” ودور طهران المباشر حيال دوره…
إلا أنه ليس من السهل، ولا من الحكمة، التوغّل في غابة الاستنتاجات إزاء “مفاجأة القيصر” التي بدأ كثيرون، هنا وفي الخارج، يبنون على نتائجها قصوراً من المتغيّرات… قد يكتشفون لاحقاً أنها كلّها من رمال أو فوق رمال متحرِّكة.
من هنا كانت نصيحة موسكو للمستعجلين، وللمتسرِّعين في التفسير والتحليل بالتريّث وانتظار مآل التطوّرات، وما ستنتهي إليها الحال في سوريا. وليس غداً طبعاً.
إلاّ أن الصحافة الأميركية والفرنسية لم تصغِ لا إلى نصائح، ولا إلى “مفسِّري الأحلام“. مثلاً، ترى “فورين بوليسي” أن قرار بوتين سحب الجزء الأكبر من قواته “معناه سعيه إلى الابتعاد عن النزاع، وتمهيد الطريق أمام حكومة سورية جديدة لا يرأسها بشار الأسد“. وفي كلام آخر يبدو “أن الأسد غير مستعد لتقديم أيّة تنازلات“. وهنا ينكشفُ سرُّ نرفزة القيصر.
هل ينعكس ذلك سلباً على حلم اللبنانيّين لجهة الانفراج رئاسيّاً؟ أم أن هذا شيء وذاك آخر؟