إستعدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو جيداً للقائه الأوّل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وصل الى واشنطن قبل يومين من موعد اللقاء ليتفرّغ لإجتماعاتٍ متتالية مع مستشاريه الكبار المتخصّصين في الشأن الأميركي، إضافة الى لقاءات مع نافذين في اللوبي اليهودي لتوسّل السبل الناجعة لتحقيق أهداف حكومته.
صحيح أنّ الرئيس الاميركي المثير للجدل، والذي كان انتقد ولو بلطف، القرار الإسرائيلي تشريع الاستيطان على أراض خاصة لفلسطينيّين، أعلن قبل موعد لقائه بنتنياهو سقوطَ نظرية الدولتين كأساس لأيّ اتفاق سلام، وهو ما يُعتبر جائزة ثمينة للحكومة الإسرائيلية، لكنّ نتنياهو يدرك جيداً أنّ شخصية ترامب غير قابلة للانضباط ضمن كادر محدَّد، وهو ما جعل الصحافة الإسرائيلية تُبدي قلقها من مواقف طارئة قد يعلنها ترامب من خارج النص المكتوب، وهو ما درَج على فعله مراراً.
كما أنّ الأوساط الإسرائيلية التي تُبدي ارتياحها حتى الآن الى مواقف ترامب تجاه إسرائيل من خلال تعيين صهره اليهودي الملتزم مبعوثاً رئاسياً خاصاً الى الشرق الأوسط، اضافة الى شخص السفير الأميركي لدى إسرائيل، تُظهر في الوقت عينه بعض القلق، إن لناحية التقلبات التي يمتاز بها ترامب، أو حتى كونه أحد الرؤساء الأميركيين القلائل جداً الذين زاروا عدداً من دول المنطقة باستثناء إسرائيل، وهو ما يجعل الرابط الشخصي للرئيس الأميركي بإسرائيل أقل متانة.
لكن الى جانب كلّ هذا، هناك حال الفوضى التي تعيشها سياسة ترامب في الداخل الأميركي وعلى المستوى الخارجي، خصوصاً في الشرق الأوسط، وهي حالة ستحاول إسرائيل توظيفها لمصلحتها على رغم أنّ درجة المخاطرة تبقى مرتفعة، فالرجل الجالس في البيت الأبيض كانت الصحافة الإسرائيلية نفسها قد وصفته خلال مرحلة الحملات الرئاسية بـ«الصاروخ غير الموجّه».
صحيح أنّ ترامب، وبخلاف أسلافه، باشر اتّخاذ القرارات الكبيرة فور دخوله مكتبه البيضاوي على رغم عدم اكتمال إدارته، لكنّ العاصفة الداخلية التي واكبت دخوله البيت الأبيض بدأت تُشهِر سيف العلاقات الغامضة بين إدارته وروسيا، ولا يمكن اعتبار استقالة مايكل فلين من رئاسة الأمن القومي أحد أهمّ المواقع في الإدارة الأميركية مسألة عادية، لا بل إنها جاءت تحت وقع هزيمة كبيرة هزّت صلابة ترامب، وهي الصورة التي حاول ترسيخها عن نفسه.
بعد انتخاب ترامب، قالت شخصيات قريبة منه أنّ ولايته هي ثماني سنوات وأنّ هذه مسألة ثابتة ومحسومة. هذا الفريق الذي قيل كثيراً عن استعداده للشغب ورفض النتيجة في حال إعلان فوز هيلاري كلينتون، حتى ولو تطلّب الامر الذهاب بعيداً، يصطفّ خلفه الفريق الأخطر الذي يمثل قطاع صناعة الأسلحة، اضافة الى الذين يصنّفون أنفسهم «الآباء الحقيقيين» للولايات المتحدة الأميركية.
وكان فلين الأقرب الى الرئيس الأميركي والأكثر صدقاً وصراحة في وصف وصول ترامب: «إنها ثورة بيضاء حقيقية وانقلاب هادئ».
لكنّ معارضة القوى الأميركية الأخرى، وفي طليعتها وسائل الإعلام، بدأت تفعل فعلها ولو أنّ المشوار لا يزال في بدايته.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» معلومات اضافية عن أعضاء في فريق حملة ترامب أجروا اتصالات متتالية مع مسؤولين كبار في اجهزة الاستخبارات الروسية خلال مرحلة التحضيرات الانتخابية.
وتحدّثت الصحيفة عن مكالمات هاتفية مسجّلة إضافة الى سجلّات هاتفية كشفت هذه الاتصالات. وهذا يعني أنّ إدارة ترامب سترزح تحت ضغط متصاعد حول التدخّل الروسي لمصلحتها في الانتخابات، والذي كانت بدايته رحيل فلين عن الأمن القومي في سابقة لم تشهدها واشنطن.
هذا الواقع سيدفع ترامب الى التشدّد أكثر مع روسيا، خصوصاً في الشرق الاوسط والملف السوري. وربما هذا ما يُفسّر التطوّرات الأميركية مع تركيا حول الملف السوري حيث سجّلت غارة جوّية روسية غامضة على موقع تركي داخل سوريا.
في السابع من شباط الجاري، أُعلن عن الاتصال الأوّل من ترامب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي استمرّ زهاء 45 دقيقة. وبعد الاتصال بيوم واحد زار رئيسُ المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو تركيا، لتحصل الغارة الروسية «الخطأ» كما قيل على الموقع العسكري التركي.
وسائل إعلام تركية معروفة بدقّة مصادرها، نقلت أنّ الروس تنصّتوا على مكالمة ترامب – أردوغان، وجاءت الرسالة الدموية تحذيراً لما تضمّنته المحادثات والذي اعتبر تحايلاً على التفاهم المعقود أساساً بين تركيا وروسيا.
وترافقت المكالمة الهاتفية مع دخول تركيا الى مدينة «الباب» السورية على رغم التزامها سابقاً لموسكو بأنها لن تفعل ذلك، وحيث حصلت مواجهة مع الجيش السوري الذي تواكبه روسيا، نتج عنها مقتل 14 جندياً سورياً وأسر 8 آخرين.
وقيل إنّ أنقرة تقدمت للأميركيين بمقترحين:
الأول، القيام بعملية تركية – أميركية مشترَكة في الرقّة.
والثاني، إنشاء «منطقة آمنة» خالية من الإرهاب حيث ترفض تركيا مشاركة الأكراد في مقابل إنشاء قوة عسكرية تراوح بين 8 و10 آلاف مقاتل من معارضين سوريين موالين لتركيا بدعم أميركي وتركي.
قيل إنّ أردوغان زار السعودية لهذا السبب، فهو يطمح لزيادة قوة الجيش التركي في سوريا من خلال إنشاء «منطقة آمنة» ما بين أربعة الى خمسة آلاف كيلومتر مربع، وأن تشمل الرقّة ومنبج. في المقابل تبدو روسيا مرتابة من ذلك ومن سعي إدارة ترامب الى تسجيل نقاط في سوريا على حساب روسيا واستثمارها في النزاع الأميركي الداخلي.
لكنّ موسكو، التي تسعى واشنطن لدفعها الى احتواء التمدّد الإيراني في المنطقة، تبدو أمام حسابات استجدّت تطاول نفوذها، ما يدفعها لمساندة عملية عسكرية في ادلب تضع قيوداً للطموح التركي. مع الأخذ في الاعتبار الدور الذي توليه واشنطن للأردن، اضافة الى مصر التي تعوّل واشنطن على دورها في سوريا وفي غزة، مع التذكير بأنّ إسرائيل التي سحبت بعثتها الديبلوماسية من القاهرة بذريعة المخاطر الأمنية، تريد للقاهرة دوراً أكثر حزماً مع «حماس» وتتّهمها بحماية مجموعات لـ«داعش» في صحراء سيناء والتي بدأت تنخر جسم الحركة ما يعني احتمال ظهور «داعش» قريباً في غزة.