حزب الله» يكافح الإرهاب.. والحل الرئاسي صعب حالياً
موسكو متشبثة بالحل السياسي: نفّذنا المهمة في سوريا
طمأن ديبلوماسي روسي رفيع «سوريا ولبنان الى أن بدء روسيا أمس سحب الجزء الرئيسي من قواتها من سوريا بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين، لا يعني وقف محاربة الإرهاب المستمرّة حتى النهاية دفاعاً عن هذين البلدين وعن الشرق الأوسط برمّته».
وشرح الديبلوماسي الروسي لـ «السفير» القرار المفاجئ لبوتين الذي تزامن مع انطلاق مفاوضات جنيف 3 وشكّل صدمة حقيقية للاعبين الدوليين والإقليميين، وأعاد تصويب البوصلة نحو الحلّ السياسي.
ورفض الديبلوماسي الروسي القراءات الغربية، وقال لـ «السفير» أمس: «إن ردود الفعل الغربيّة ليست دقيقة، فكلّ جهة تريد استغلال الموضوع لفرض وجهة نظرتها، لكن الدوافع الروسية واضحة وجلية. فمن المعلوم أنّه تمّ تنفيذ المهمّة الروسية عسكرياً وسياسياً الى حدّ كبير».
وكشف الديبلوماسي المذكور أنّ قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاء بعد اجتماعه بوزيري الدفاع سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف، حيث قدّم شويغو قراءة تفيد بأنّ نشاط الطيران الروسي قطع الطريق على الإرهابيين وحرّر قرى ومدناً عدّة وقد بدأت فصائل معارضة عدّة المشاركة في الهدنة. من جهته، عرض لافروف بداية التفاوض السوري السوري وتطوّره. فاستنتج الرئيس بوتين أن جزءاً كبيراً من المهمّة الروسية قد أنجز فعلياً، وأنه يمكن البدء بسحب الجزء الكبير من هذه القوّة مع الإبقاء على القوى التقليدية في قاعدتي طرطوس وحميميم».
ووصف الديبلوماسي الروسي خطوة بلاده بأنها: «قوية وذكيّة، وهي تنطلق من موقع قوّة وثقة بقدرات روسيا وبقدرات الجيش السوري»، لافتا الى أنّ «عملية مكافحة الإرهاب مستمرة حتى النجاح الكامل، ويجب أن تطمئن سوريا ولبنان معا بأن العملية ضد الإرهاب سوف تستكمل، وهذه إشارة روسية قوية لجميع الأطراف المعنيين بالمسار السياسي أن روسيا مصرّة على مواصلة التفاوض السوري ـ السوري، وأن التركيز على السياسة اليوم أصبح حاجة ملحّة للجميع وليس أي شيء آخر». ونبّه الديبلوماسي الى أنّ «هذا الموضوع ليس للضغط على النظام السوري، فهذه افتراضات مستبعدة لأن ما شهدناه من نواقص وطرح شروط تعجيزية جاء من قبل المعارضة وليس من قبل النظام السوري، وقد نسّق الرئيس بوتين هذه الخطوة مع الرئيس السوري بشار الأسد».
ولفت الى أن «ثمة تأييداً روسياً للعملية السلمية عموماً وليس لطرف من الأطراف، وترجو روسيا أن تكون ردود الفعل الأميركية أكثر إيجابية لا غامضة على غرار كلام المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي بدا وكأنه يزرع الشكوك حول الموقف الروسي. كما يجب على جميع من يؤيدون المعارضة الاعتراف بأن روسيا تحافظ على جميع القوى منسجمة مع حجم المعركة ولا مبالغة روسية في هذا المجال».
تشكيك روسي بأميركا
من جهة ثانية، وعند الغوص في موضوع العلاقة الروسية الأميركية حيال مقاربة ملفات المنطقة، ترى أوساط روسية واسعة الاطلاع أن الموقف الأميركي حيال مقاربة الموضوع السوري «غير مضمون البتّة»، فإدارة الرئيس باراك أوباما ترغب في نهاية عهدها «بتحقيق إنجاز جديد بغية تعبيد الطريق الرئاسية أمام الحزب الديموقراطي لا أكثر ولا أقل».
ويتعامل الروس ببراغماتية لامتناهية مع هذا السلوك الأميركي الذي تصفه الأوساط الروسية بأنه نوع من «الهستيرية الغربية» الهادفة الى تطويق روسيا، لكن واشنطن مضطرة للتعاون مع موسكو لوقت محدود ومؤقت، وبالتالي فإن «التقاء المصالح الروسية الأميركية مرحلي لكنّه قد يفيد في تبريد بعض القضايا الملتهبة وفي طليعتها الحرب في سوريا والحل في أوكرانيا».
هذا السلوك الأميركي «الموضوعي» في نهاية عهد أوباما كان قد أثمر أكثر لو بدأ باكراً، وهو سلوك غير مضمون الاستمرار بعد الانتخابات الأميركية المقبلة التي يرفض الروس التفكير في عناوينها، جلّ ما يهمّهم تعبيد الطريق أمام الحلّ السوري المستدام من خلال تطبيق مقررات جنيف 1 وخريطة الطريق التي وضعتها اجتماعات فيينا والمستمرة في اجتماعات جنيف 3 التي بدأت في 14 الجاري في العاصمة السويسرية.
هذا التعاون الأميركي الروسي لا يبرزه الأميركيون إعلامياً لأنهم يعتبرون أنه موضوع مزعج لحلفائهم، إلا أن ذلك لا ينفي وجود قنوات اتصال وتنسيق تمليه الهدنة التي بدأت في سوريا، وخصوصا لجهة الاتصالات مع الفصائل المعارضة التي تنسق مع الطرفين الروسي والأميركي في مواضيع مختلفة، منها الخروق العسكرية ومنها أيضا الاستعداد لترك السلاح والدخول في مصالحات.
هذه الهدنة يدرك الروسي أنها هشة، نظراً الى الشروط التعجيزية التي توضع أمامها لإفشال التفاوض الجاري في جنيف، وهي قد تنسف في أية لحظة نظراً الى هشاشة انخراط بعض فصائل المعارضة فيها وقيام بعضها بالتعاون سياسياً، في حين أن جناحاً ثانياً من الفصيل نفسه لا يزال يحمل السلاح، لكنها هدنة ضرورية توفّر ظروف إطلاق الحوار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. فالهدنة ليست عملية ثابتة ونهائية بل هي بداية مشجّعة لتطوّر سياسي إيجابي لا يزال معرقلاً بين فريقي «معارضة موسكو» و «معارضة الرياض»، ما يجعل الصورة الوفاقية غير مكتملة لغاية اليوم، وبرأي الروس انه يجب توسيع مروحة المشاركة في المعارضة التي يجب أن تضمّ الأكراد أيضاً.
لا لترسيم جديد للحدود
بالعودة الى تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في 29 شباط الفائت والذي قال فيه إن روسيا تأمل أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية الى فكرة إنشاء جمهورية فدرالية، فإن هذا التصريح جاء في إطار محدود جدّا ولا يمكن أن يؤخذ حرفياً، بحسب الأوساط الروسية الواسعة الاطلاع والتي تشير الى أن روسيا ضدّ ترسيم أية حدود جديدة في الشرق الأوسط. فالشعب السوري يرفض تماماً الفدرالية على أساس طائفي لأنها غير مناسبة لسوريا. ويجاهر الروس عبر قنواتهم الدّيبلوماسية برغبتهم في بقاء الدولة الوطنيّة ووقوفهم ضدّ أية محاولات لتقسيم سوريا أو أية دولة في الشرق الأوسط، معتبرين أن ثمة مؤامرة تستهدف الشرق الأوسط في هذا الخصوص وكذلك روسيا التي هي دولة متعددة القوميات. هذا الأمر ينطبق على سوريا وعلى أوكرانيا أيضا التي يريدها الروس محايدة كفنلندا وموحدة، رافضين انضمامها الى حلف الناتو.
الرئاسة اللبنانية
هذه المحاولات لزرع فكرة الفدرالية أو التقسيم، مرفوضة ايضا في لبنان الموجود في الدائرة الروسية من خلال الرقعة الإقليمية الكبرى، إذ يعتبر الروس أن محاربتهم الإرهاب في سوريا مفيدة أيضا للبنان. لا يقدّم الروسي إجابات مباشرة عن رأيهم بالتصنيف الخليجي لـ «حزب الله» كمنظمة إرهابية، يكررون مواقفهم من «حزب الله» كمنظمة محاربة للإرهاب بموافقة النظام السوري الذي تتعامل معه روسيا أيضا في إطار الحرب ضدّ الإرهاب أيضا، وتنصح روسيا بأن تضع الدول الإقليمية كلها أجندة بنّاءة لتنقية الأجواء في المنطقة.
لكنّ هذا الجوّ المتشنج يجعل موضوع الرئاسة اللبنانية مجهولاً ايضا، وبغض النّظر عن الأسماء المطروحة، فإن التوافق مطلوب لكنه غير متاح في أجواء التصعيد الراهنة، لأن هذا التصعيد هو أوسع وأخطر بكثير من موضوع الرئاسة اللبنانية، وبالتالي إن العثور على حل رئاسي حالياً صعب.