Site icon IMLebanon

مرونة موسكو..

لم يعد مهمّاً، كما كان في السابق استمرار قادة الكرملين في التأكيد على عدم تغيّر مواقفهم من مصير رئيس سوريا السابق بشار الأسد، والامتناع عن البحث جدياً في أي صيغة تُنصف شعب سوريا، وتسدل الستار على مرحلة استمرت خمسة عقود، وأوصلت المشرق العربي وليس سوريا فقط، الى الحضيض.

كانت أهمية موقف موسكو (سابقاً) متأتّية من حقيقة امتلاكها تفويضاً أميركياً (ودولياً) واضحاً بـ«متابعة» مسارات النكبة السورية ميدانياً وسياسياً، وتحت ستارات وأغطية وشعارات جليلة (أخلاقياً وسياسياً!) لا تنزل تحت سقوف محاربة «الإرهاب» و«سيادة الدولة» و«الشرعية».. إلخ، ثمّ إدّعاء تقديم خدمات كبرى للبشرية في الإجمال، من خلال الإمعان في تحطيم الكيان السوري بشراً وحجراً طالما أنه تمرّد على «نظامه المنتخب»!

لكن فعل «كان» يدل على ماضٍ مضى! اليوم هناك أمر آخر صار هو المهم، أو الأهم بالأحرى: موقف أميركي يتدرّج صعوداً وليس نزولاً، وينطلق في أولى خطواته من مسلّمة طال انتظارها، هي تحديداً، ما أبلغه وزير الخارجية ريكس تيلرسون الى القادة الروس قبل نحو أسبوعين في موسكو من أنّ «زمن حكم آل الأسد انتهى»! وبالجمع والإجمال وليس بالمفرّق ولا بالتقسيط.

ولم يفاجئ أحداً في الواقع، تكرار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالأمس خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير، المصطلحات ذاتها التي دأب وقيادة الكرملين على تكرارها على مدى السنوات الماضيات، وخصوصاً لجهة التأكيد على «أنّ الشعب السوري هو الذي يحدّد مصير قادته»!… التكرار طبيعي، ويدلّ على أشياء كثيرة في عوالم السياسة والديبلوماسية وموازين القوى، منها تأكيد الثبات على المواقف المعلنة بما يليق بصورة دولة عظمى لا تتراجع بسهولة! ولا تتنازل عن مكتسباتها بالهيّن ولا تتراخى عند أول منعطف مضاد كبير شبيه بذلك الذي اعتمدته الإدارة الأميركية الجديدة بعد رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض، الى بيته!

.. وربما، أن موسكو لا تزال تحت وقع الصدمة الترامبية، ولم تهضم تماماً بعد، ما فعله الرئيس الأميركي الجديد، ولا انقلابه على مواقفه السابقة قبل أن يكمل المئة يوم الأولى في منصبه! ولم تستوعب السرعة التي انقضّ فيها على إرث سلفه في سوريا وغيرها.

لكن واقعية القيادة الروسية إزاء سوريا، يُفترض أن لا تقلّ (مثلاً) عن واقعية القيادة الصينية إزاء حليفها (جزئياً) الكوري الشمالي، وهي التي سارعت في الآونة الأخيرة، الى الوقوف أمام الإدارة الأميركية وليس الى جانبها ولا خلفها، في تحذير «الطفل المعجزة» كيم جونغ أون من الاستطراد في ألعابه الخطرة واستفزازاته الأخطر، والتسبب بحرب قد تُستخدم فيها الأسلحة الاستراتيجية للمرة الأولى منذ هيروشيما وناغازاكي!

والقيادة الروسية في كل حال، مرنة الى حدِّ الانتباه جدّياً، الى أن المعروض عليها في سوريا وانطلاقاً منها، لا يهدد مكتسباتها ومصالحها، بل يحافظ عليها، ويطورها عالمياً وإقليمياً خصوصاً مع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مثلما تبيّن بالأمس من خلال محادثات الوزير الجبير في موسكو. ومثلما تبيّن قبل الأمس من خلال محادثات وزير الخارجية الأميركي. وأيضاً مثلما أظهرته وتظهره مواقف القادة الأوروبيين وخصوصاً الألمان.

ولذلك، يفترض كثيرون، أنّه لن يطول الوقت قبل أن تعلن القيادة الروسية عقد قرانها على الواقع المستجد طالما أنّ هذا الزواج، يضمن «حقوقها» ومصالحها ومكتسباتها ويجنّب سوريا والمنطقة والعالم الأوسع، المزيد من التجارب والخسائر والأضرار.. والله أعلم!