طوال السنوات السابقة، تحوّلت قضية النازحين السوريين إلى مادة دسمة للمزايدة في موضوع التنسيق المباشر بين لبنان وسوريا. ومن ثم أتت الخطة الروسية لتكون مدخلاً أساسياً لعودة العلاقات على رغم المعاندين لقدر التعاون المحتّم بين الدولتين
لم يكُتب النجاح لرفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري التنسيق مع دمشق سواء في موضوع النازحين أم في غيره من الملفات. اصطدم هذا الرفض بإصرار فريق لبناني وازن على التعاون والتنسيق مع الدولة السورية من جهة وباشتراط الروس على كل دول الجوار أن تكون عودة النازحين جزءاً من خطة منسقة مع السوريين، من جهة ثانية.
من الباب الروسي، حاوَل رئيس الحكومة المكلّف الهروب من قدَر التعاون المحتّم بين الدولتين. ومن الباب نفسه عاد والتحق بالبوسطة، بعدما أمّن له رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي مخرجاً لبداية التعاون اللبناني ــــ السوري، بوضعهما الخطّة الروسية لعودة النازحين في إطار عام ووطني تفادياً لإحراجه. وأياً كانت المسميات والتبريرات التي يسوّقها المعاندون لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، لمصلحة لبنان أولاً، فإنّ قبولهم بالخطة الروسية يصبح له عنوان واحد: «انتصار الدولة السورية على الإرهاب».
وفي انتظار أن تتوافر التغطية الدولية وخصوصاً الأميركية للخطة الروسية، على اللبنانيين مساعدة أنفسهم في قضية عودة النازحين، بدءاً بصياغة موقف رسمي موحد وصولاً إلى اعتماد آلية محددة للتعاطي مع المبادرة الروسية مروراً باعتماد قناة محددة، وهي على الأرجح القناة التي يجسدها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، انطلاقاً من ثقة مزدوجة به: لبنانية وتحديداً من رئاسة الجمهورية، وسورية، وتحديداً من الرئيس بشار الأسد. في هذا السياق، جاءت الخلاصة التي عكسها الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف أمام «الترويكا» الرئاسية اللبنانية ومفادها أن «التنسيق اللبناني ــــ السوري لا يُمكن أن يكون مؤجلاً حتى إشعار آخر بعد الآن».
ما طرحه الموفد الروسي خلال لقائه الرؤساء الثلاثة هو «خطة متكاملة للنازحين الموجودين في كل المنطقة». وبحسب مصادر ديبلوماسية روسية «تترك موسكو للدولة اللبنانية خيار التعاطي مع هذه الخطة، لأن ليس بالإمكان فرض خيارات محرجة على أية دولة من دول الجوار السوري». تقول المصادر لـ «الأخبار» إن «روسيا ليست وسيطاً بين لبنان وسوريا، بل هي تنقل وجهة نظر الدولة السورية التي نتبناها بالكامل»، مؤكّدة أن «من جملة الأمور التي تمّ التشديد عليها من الوفد الروسي كان التنسيق مع الدولة السورية وحث اللبنانيين على التعاون المباشر بين الدولتين بغض النظر عن أي اعتبارات لبنانية داخلية». مهمّة الروس هي «العمل مع الجانب السوري لتأمين أرضية آمنة للنازحين»، ومع الجانب اللبناني «تنفيذ الآلية التي ستؤّمن هذه العودة إلى دولة قائمة ولها مؤسساتها».
مصادر ديبلوماسية روسية: للتعاون المباشر بين لبنان وسوريا بغض النظر عن أي اعتبارات
وبحسب المصادر الروسية، فإن ما نقله الموفد الروسي هو رسالة تطمين من الرئيس السوري بشار الأسد إلى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، من جهة يؤكّد فيها الأسد «استعداد سوريا للتعاون مع لبنان»، ومن جهة ثانية، «الالتزام بالعودة الطوعية والآمنة إلى المناطق الخالية من الإرهاب». الخطّة الروسية التي بدأ العمل عليها منذ ستّة أشهر كما تقول المصادر، لا تزال آليتها عامة، ومن ضمن مندرجاتها إقامة مراكز لاستيعاب النازحين تتواجد فيها مجموعات روسية عسكرية وديبلوماسية تتولّى التنسيق مع اللجنة اللبنانية التي تمّ الاتفاق عليها برئاسة اللواء عباس إبراهيم، على أن يتقرّر في ما بعد طبيعة التمثيل اللبناني فيها». وعادت المصادر لتؤكّد أن هذه الخطة هي «خدمة للنازحين السوريين وللبنان، ومخرجاً لبداية التعاون مع الدولة السورية، لا بل مدخلاً أساسياً له».