Site icon IMLebanon

البرغش والبعوض وحكومتنا

في أعوام الحرب، تفنن اللبنانيون في الإحتماء من القذائف والصواريخ، فحصّنوا منازلهم ومكاتبهم بأكياس الرمل، وحتى انهم نقلوا مكاتب إحتياط الملاجئ، فكانوا يعملون في الملاجئ سُعداء بأن القذائف والصواريخ لن تصل اليهم، وهذا ما أشعرهم في كثير من الأحيان بالطمأنينة.

بعد الحرب، أمران لم تعد تنفع معهما الملاجئ، الفقر والروائح الكريهة: يحتمي الإنسان من القذائف ولكن كيف يحتمي من الفقر؟

يحتمي الإنسان من الصواريخ، ولكن كيف يحتمي من الروائح الكريهة؟

أليس الإهمال ولامبالاة الحكومة والإستهتار، عوامل تقع على رؤوس المواطنين اقسى من وقوع القذائف على رؤوسهم ايام الحرب؟

وليست الروائح الكريهة وحدها هي المعضلة، بل هناك البعوض والحشرات التي تجتاح الساحل اللبناني وبعض المناطق القريبة، في تفسير هذه الظاهرة ليس هناك من تفلسف في شرح ما حدث: الحكومة أهملت النفايات لتسعة أشهر، منذ 17 تموز الفائت وحتى آخر آذار، وها هي اليوم تدفع ثمن اهمالها، ولكن ليست هي التي تدفع الثمن، بل المواطن الذي أغرقته في النفايات واليوم يغرق في روائحها العفنة والنتنة والمسببة للأوبئة والامراض.

بات على اللبناني ان يتعرَّف على حال الطقس، أسبوعاً الى الأمام، ليعرف مآسي الروائح والبعوض والحشرات وكيف ستتوالد، من حسن الحظ ان النصف الأول من الاسبوع سيكون ماطراً جزئياً، وهكذا ستساهم الطبيعة في التخفيف من لَسِعْ الحشرات المسمّة، وستحقق ما عجزت عنه حكومتنا وتحديدا وزير البيئة المدلل من رئيس الحكومة، ولكن في النصف الثاني من الاسبوع ستعود موجة الحرّ.

هذا الواقع لن ينزل برداً وسلاماً على ضيف لبنان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي سيصل الى لبنان السبت المقبل، فمن طائرته سيعاين المطمر المستحدث في الكوستابرافا وسيشاهد مطمر الناعمة، يتلفَّت شمالا فيرى جبل برج حمود. الطامة الكبرى حين ينزل من الطائرة حيث ستستقبله الروائح الكريهة والنتنة المنبعثة من جبال النفايات غير المعالجة.

لن يكون هذا الواقع فألاً حسناً بالنسبة الى لبنان، ولن يكون ضيف لبنان الكبير في حال مريحة، فهل من شيمنا ان نستقبل ضيوفنا؟

والأسوأ من كل ذلك ان وزير البيئة الذي انكفأ يوما عن الملف الذي هو من اختصاصه، أي ملف النفايات، ينكفئ اليوم عن ملف البعوض والحشرات فيرميه علينا، كالعادة، فهو في تغريدة له على تويتر، قال: مع الحرارة اعداد متزايدة من البرغش على مناطق ساحلية بموجات متفرقة، وينصح بتوقّي إبتلاع وإستنشاق البرغش!

ما هذه العظمة والرؤىة وألف شكر معالي الوزير على النصيحة، تُقفل أفواه الناس عن المطالبة بحقوقهم، لئلا يبتلعون البرغش.

لا يا معالي الوزير، لن نتنشق البرغش ولن نبتلعه، ونتمنى عليك ان تفعل مثلنا تماماً، فأنت مواطن بإمتياز لكن الفرق الشاسع بينك وبيننا، هو أننا لن نسكت عن المطالبة بحقوقنا وما اوصلتنا اليه بعملك الدؤوب الذي فيه كثير من العبقرية، وأكثر من الدفع من جيوبنا الفارغة!