ليست هذه المرة الأولى التي يحاول فيها الموساد زرع عملاء له داخل مؤسسات رسمية لبنانية، وتحديداً بين جهاز حرس مجلس النواب. قبل سنوات تمّ اكتشاف رتيب في حرس المجلس اعترف بأنّ الموساد جَنّده للمراقبة وجَمع المعلومات. وقبل فترة وجيزة، تبيّن أنّ الموساد حقّق نصف نجاح في محاولة منه للتسلل الى مجلس النواب، لكنّ يقظة الأجهزة الأمنية قطعت عليه طريق إكمال المهمة.
في معلومات لـ«الجمهورية» أنّه وقبل نحو ثلاثة أسابيع تمّ توقيف رتيب في حرس مجلس النواب بعد أشهر من مراقبته، استتبعَت الاشتباه بوجود علاقة تربطه بالمخابرات الاسرائيلية. وكان قد اقتيد بسرّية تامة للتحقيق معه بعد دَهم منزله الواقع خارج بيروت، حيث صادرت القوة المداهمة منه حاسوبَين، أحدهما يعود له والثاني لزوجته، اضافة الى متعلقات أخرى خاصة بهما.
الوقائع والاهداف
وقد أحيط توقيف الرتيب المذكور بكثير من السرّية نظراً لضرورات استكمال التحقيق، إذ إنّ هذه القضية مصنّفة بأنها خطرة جداً، نظراً لارتباطها بمسعى إسرائيلي لإحداث اختراق استخباراتي يستهدف واحدة من أهمّ مؤسسات الدولة السيادية.
وباتَ يمكن الآن فقط إماطة اللثام عن وقائع هذه القضية، وذلك بعدما ختم التحقيق فيها على الوقائع الحاسمة الآتية:
أولاً، ثبتت براءة الرتيب من أيّ علاقة له مع الموساد أو اي شبهة أمنية، ولكن في المقابل تأكد أنّ الموساد نجح في تجنيد زوجته.
ثانياً، أظهر التحقيق أنّ تجنيدها حصل منذ نحو أربع سنوات، وكلّفها مشغّلها في المخابرات الاسرائيلية بمهمات عديدة أبرزها تصوير مَبان ومؤسسات قريبة من البرلمان في وسط العاصمة.
ومن وجهة نظر مصادر أمنية، فإنّ الموساد تقصّد تكليفها بمهمات بعيدة عن الهدف الحقيقي الذي يسعى اليه من وراء تجنيدها، وذلك لسبب جوهري عادة ما تلجأ إلى اعتماده أجهزة المخابرات في الحالات الشبيهة بالحالة المُشار اليها، وهو حرص الجهاز المشغّل على تمويه الهدف الحقيقي الذي دفعه لتجنيد العميل، حتى يتجنّب انكشاف هذا الهدف في حال وقع المجنّد في قبضة الاجهزة الامنية. ويتمّ اعتماد تكتيك تمويه الهدف هذا، طوال الفترة التي يكون فيها المجنّد خاضعاً لمرحلة إعداده في انتظار نضوج لحظة إبلاغه الهدف الحقيقي المطلوب منه.
وتعتقد مصادر امنية انّ المرأة التي اكتشف تورّطها كانت لا تزال في فترة إعدادها، وأنّ الهدف الحقيقي الذي كان الموساد يريد الوصول إليه من وراء تجنيدها هو اصطياد زوجها الذي يعمل ضمن حرس مجلس النواب.
ثالثاً، تبيّن من التحقيق مع عميلة الموساد أنّ تجنيدها حصل من خلال التواصل معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها تلقّت مبالغ قليلة من المال، وقد أحيلت منذ أيام الى القضاء.
وتلاحظ المصادر الأمنية وجود صِلة شَبَه بين الطريقة التي جَنّد فيها الموساد العميلة المذكورة وعمليات تجنيد نساء لبنانيات قامت بها «داعش» خلال الآونة الاخيرة. فالطرفان يعتمدان وسائل التواصل الاجتماعي للتجنيد واصطياد ضحاياهم، وفي حالات كثيرة يحاولون إغراء النساء من خلال جعل الأشخاص الذين يتواصلون معهم على درجة من الميزات الجمالية والجسدية.
إغراء «داعشي»
أمام الاجهزة الامنية حالياً واقعة على غاية من الغرابة، ومفادها تجنيد أحد عناصر «داعش» امراة من بلدة «ع.ع» عن طريق علاقة معها على «الفايسبوك». وبعد توثيق علاقته بها كلّفها بمهمات أمنية استطلاعية مختلفة. والغريب في هذه الواقعة أنّ المرأة أرسلت له أموالاً، علماً أنها لم تلتق به أبداً. وكان جوهر الفكرة التي تمّ انتزاعها منها حول سبب استجابَتها له، إعجابها الشديد بشخصيته المميزة والاستثنائية.
فرضية اغتيالات
والواقع أنَّ واقعة سَعي الموساد للتسلل الى جهاز أمن مجلس النواب، تدعم فرضية متداولة داخل المنتديات السياسية والأمنية اللبنانية حول إمكانية أن يشهد البلد طفرة جديدة من الاغتيالات الهادفة الى ضرب معادلة الحد الأدنى من استقراره، وذلك خدمة لأجندة تسعى لخلط الأوراق في البلد والمنطقة.
ويعلّق مصدر أمني مطّلع على هذه الهواجس، ويعطف عليها واقعة تجنيد الموساد إحدى زوجات حرس مجلس النواب، بالقول: «اذا كان هناك من لائحة اغتيالات فهي بالتأكيد تضمّ أسماء الشخصيات العاملة لكَبح الفتنة، والتي يشكّل نشاطها جسراً للحوار والتهدئة بين البيئات المُحتقنة». ويضيف: «بالتأكيد، ليس هناك ضمن هذه اللائحة أسماء شخصيات تُسعِر سياساتهم أوارَ الفتنة».