وقع قرار وزير الدفاع بالتمديد للقادة العسكريين سنة واحدة تحت دائرة الضوء على الساحة السياسية، وبات مادّة دسمة للأخذ والرد والاستهجان من الفريق المعارض، وكأنه مفاجأة، في حين كان المَخرَج الطبيعي لغياب التوافق حول الأسماء المرشحة، منعاً للفراغ الأمني والعسكري بعدما طال أمد الفراغ الرئاسي من دون تحريك ساكن.
ويقع اللوم الأكبر في هذا التعطيل الحاصل للبلاد والعباد على مَن يتستر وراء شماعة الديمقراطية التوافقية على أنها السبيل الوحيد لاتخاد القرارات، في حين هي صيغة مستحيلة التحقيق بشكل مطلق، وعلى المدى البعيد.. بل هي بدعة غير موجودة في قواميس الأنظمة السياسية، وحيث نوعان لا ثالث لهما: إما ديمقراطية أو ديكتاتورية!
أما الديمقراطية التوافقية، والتي تشكّل ضرباً جديداً من سفسطة الطبقة السياسية وتحايلها على المفاهيم المتعارف عليها، لتناسب الحالة اللبنانية الشاذة، بل لتبقيها أسيرة هذا الشواذ، وتشل قدرتها على التحرر منه!
فإذا تمّ التوافق بالسابق حول ملف معيّن فذلك يُشكّل حالة خاصة في السياسة اللبنانية، التي يختلف فريقا 8 و14 فيها في كل المجالات، بدءاً من أعلى هرم الجمهورية وصولاً إلى زبالتها المتفاقمة يوماً بعد يوم. وبالتالي، مَن يستهجن ويستنكر أو حتى يعترض قرار الوزير مقبل بالتمديد، فهو يمارس المراوغة السياسية، ويحصد ما زرعه من تعطيل وتسويف، ووضع عصي في دواليب الحكومة، التي يطلب منها حل أكثر الملفات تعقيداً، وهي مكبلة الأيدي والأرجل!
لو أخذت اللعبة الديمقراطية طريقها الطبيعي لكان لبنان اليوم ينعم بالحد الأدنى من الحصانة الداخلية لمفهوم الدولة، حيث يمارس رئيس الجمهورية صلاحياته، وتتخذ القرارات داخل مجلس الوزراء بالتصويت، حسب الدستور، وتقر المشاريع في مجلس النواب بشكل شرعي ومضمون، بعيداً عن الاستنسابية والمزاجية المسيطرة على المفاصل السياسية اليوم، ولكان شبح الفراغ المتسلل من مركز إلى آخر بقي فزاعة لنتجنبها، وليس واقعاً نعيش تداعياته المريرة.
إما إجماع أو لا دولة، هي طريقة غير مباشرة لإحلال واقع اللادولة، أو بأحسن الأحوال لإبقائها رهينة الأهواء الإقليمية، تتأزم معها، أو تتحلحل بناء على اتفاقياتها، تماماً كما سحب أمس الأوّل موضوع الآلية من النقاش في مجلس الوزراء، ولم يؤدِ التمديد للعسكريين للانفجار المتوقع من قبل المعارضين!