Site icon IMLebanon

أكثر من تقرير  والضائع هو القرار

 

الوضع المالي والاقتصادي أخطر من الصورة المقلقة في التقرير الذي عرضه وزير المال علي حسن خليل أمام مجلس الوزراء. والوضع السياسي أسوأ من المشهد المخيف للشغور الرئاسي والتعطيل النيابي والشلل الحكومي. والوضع الأمني مهدد بأخطار أكبر من تلك التي نجح الجيش والقوى والأجهزة الأمنية في كشفها والتصدي لها وتفكيك كثير من الخلايا الارهابية النائمة المشكلة بطريقة عنقودية والمرتبطة بتنظيمات متشددة وإمارات سلفية وخلافة داعشية. والأوضاع الاقليمية التي نربط حاضرنا ومستقبلنا بها متغيرة بأكثر مما نتصور، ومضروبة بحروب يستخدم فيها أهل الكهف والتخلف وأصحاب السلطة الاستبدادية واللاعبون الاقليميون والدوليون الكبار قمة التكنولوجيا العسكرية القاتلة لتحقيق أهداف مضادة للشرط الانساني الذي لا معنى للحياة من دونه.

لكن ذلك كله لم يزحزح طرفاً عن موقف أناني خاطئ أو يدفع كل الأطراف الى طوارئ سياسية ومالية واقتصادية وأمنية لضمان أن يحفظ لبنان رأسه وقت تغيير الدول وأن يتمتع اللبنانيون بالحد الأدنى من العيش الكريم بأقل قدر من القلق واللايقين. فوزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت عاد من بيروت الى باريس كأنه لم يأتِ. لا يده كانت مملوءة بشيء من محادثاته مع وزيري الخارجية الايراني والسعودي. ولا لبننة الاستحقاق الرئاسي التي أوصى بها هي أكثر من أمنية. لا كان بين التوقعات أن تقوده الاتصالات الى معرفة متى يولد للجمهورية رئيس. ولا من طبيعة مهمته أن يسمي مَن يعرقل الانتخاب أو يخبرنا أنه صار يعرف لماذا لن يكون لنا رئيس.

ولا شيء يترجم السياسة المالية والاقتصادية في أي بلد سوى الموازنة التي هي أهم قانون سنوي. وليس في لبنان موازنة منذ أحد عشر عاماً. فكيف يمكن الحديث عن سياسة مالية وبرامج؟ كيف يمكن أن يتبرأ من المسؤولية أي طرف شارك في السلطة خلال تلك السنوات؟ وما فائدة التشاطر على الناس بالسجال حول لماذا جاء التقرير المالي بدل التركيز على ماذا فيه، ثم استمرار المخالفات والارتكابات والمحسوبيات والمحاصصة والفساد؟

من الصعب توقع حلول جدية تخرج من نقاش التقرير في مجلس الوزراء. فالحكومة الفاشلة العاجزة السيئة، باعتراف رئيسها، مدينة بعمرها الطويل للشغور الرئاسي والحسابات التي فرضته. ولن تصنع معجزة في غياب الرئيس، ولو أرادت. والمجلس النيابي المدين بالتمديد دورة كاملة للخلاف على قانون الانتخاب وبالتالي على اعادة تكوين السلطة، لن يمتنع عن تكرار التمديد الا مكرهاً. وأقل الاحتمالات ان يتم الاتفاق على قانون انتخاب جديد وإن لم يكن جيداً.

والضائع هو القرار، وسط أكثر من تقرير.