IMLebanon

مهمة قاتلة في بيروت

 

أديب بعد دياب

 

كان الدكتور حسّان دياب يتابع أشغاله الخاصة في الولايات المتحدة الأميركية عندما تمّ الإتصال به ليعود إلى بيروت من أجل مهمّة عاجلة هي رئاسة الحكومة اللبنانية. لملم بعض أغراضه الخاصة وعاد ليصير دولة الرئيس. مثله كان الدكتور مصطفى أديب يتابع عمله سفيراً للبنان في ألمانيا عندما تمّ الإتصال به للعودة إلى بيروت من أجل مهمة عاجلة أيضا. على عجل توجه إلى المطار ليعود ويصير أيضاً دولة الرئيس. المهمة عاجلة ولكن هل تكون قاتلة كما كانت مهمة دياب؟

 

صار حسّان دياب وزيراً للتربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011 التي ولدت، بعد مخاض عسير وبعد بدء الثورة في سوريا،على جثّة حكومة الرئيس سعد الحريري وسمِّيت وقتها حكومة اللون الواحد أو حكومة “حزب الله”. كانت المواجهة السياسية تسمح بالمناورة مع أن الوقت كان قاتلاً أيضاً. كان يتمّ البحث عن تسجيل انتصار في السياسة وتكريس واقع انقلابي على الأكثرية النيابية التي تكونت بعد انتخابات 2009 التي على أساسها تم التوافق على تشكيل الحكومة برئاسة الحريري. قرار التخلّص من الحريري كان كامناً في الطريقة التي تمّ تركيب حكومته على أساسها من خلال احتفاظ تحالف حزب الله وتيار العماد ميشال عون بالثلث المعطل. استقال هذا الثلث فطارت الحكومة. لم يكن بالإمكان تشكيل حكومة من لون واحد لولا تغيير الموازين الداخلية وتبديل موقف الحزب التقدمي الإشتراكي في الإستشارات للإنتقال من تسمية الحريري إلى تسمية ميقاتي بعد موقعة القمصان السود على خلفية تداعيات أحداث 7 أيار 2008 وغزوة بيروت والجبل.

 

حادث ومريض وسيارة إسعاف

 

لم يترك حسّان دياب في وزارة التربية أو في الحكومة او في الممارسة السياسية أثراً يذكر. دخل عالم النسيان والإهمال بعد عودته من الوزارة إلى وظيفته الأكاديمية في الجامعة الأميركية. عندما استُدعي ليكون رئيساً للحكومة، على أنقاض جثة حكومة الرئيس سعد الحريري أيضاً بعد استقالته تحت ضغط شارع ثورة 17 تشرين، لم يكن يُعرف عنه الكثير. أكثر ما عرف عنه الكتاب الذي أعدّه على حساب وزارة التربية ويتضمّن صوره في مناسبات كثيرة. لم تكن هناك معلومات كثيرة عن سيرته الشخصية وحياته العائلية غير أنّه سمى ايضاً مدرسة رسمية على اسم والدته. قبل تسميته كانت له تغريدات من وحي ثورة 17 تشرين وبعد تكليفه رسمياً تعهّد أن يعمل بموجب ما تطلبه جماهير هذه الثورة. كان بإمكانه أن يذهب إلى الإصطفاف في جانب هذه الثورة ولكنّه لم يفعل. كانت لديه تعهدات عليه أن يلتزم بها وبدل أن يسمي وزراء مستقلّين واختصاصيين يحظون بالثقة وافق على الأسماء التي قدّمها إليه من كلّفه بالتأليف.

 

تشكّلت حكومة دياب وأعطيت فرصة. كان لبنان دخل حالة الإنهيار الشامل الذي يحتاج إلى علاج سريع وإلى نقله إلى غرفة العناية الفائقة. أوحى دياب أنّه عملي. أقام في السراي. شكّل لجانًا. عقد اجتماعات. ولكن كلّ ذلك بقي مجرّد حركة بلا بركة. بدل الذهاب إلى الحلول غرق في تحميل المسؤوليات إلى من سبقه رافعاً راية الإستسلام أمام المشكلة التي جاء أساساً من أجل حلّها. ما حصل مع حكومة دياب أنّها أخذت على نفسها مهمّة نقله إلى هذه الغرفة ولكن بدل أن تفعل ذلك اصطدمت بجدار كبير. سيارة إسعاف تنقل مريضاً وتتعرّض إلى حادث سير يصاب السائق والطاقم بالجروح والكسور، والمريض زادت إصاباته وكاد يشرف على الموت. انفجار العنبر رقم 12 في 4 آب كان هذا الحادث الذي استدعى كلّ هذا التغيير. تغيير الحكومة والنهج والإدارة والمستشفى من أجل محاولة إنقاذ المريض. بعد ستة ايام كان دياب يعلن استقالة حكومته.

 

من السفارة إلى الوزارة

 

تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان في إطار منع لبنان من الموت. وزير خارجيته الذي أتى قبله إلى لبنان واتّهمه دياب بأنّه يجهل الوضع في لبنان ولا يفهم شيئاً كان قد أطلق التحذير الأخير من أنّ لبنان قد يكون أمام الزوال وأنّه مهدّد وجودياً وقد يختنق. ماكرون لم يكن بعيداً عن هذا التصور. وكما ولد اسم حسان دياب من الغيب هكذا ولد اسم مصطفى أديب ليكون رئيس الحكومة الجديد وسائق سيارة الإسعاف الجديد.

 

فريق دياب كان يشبه فريق فوج إطفاء بيروت الذي طلب منه التوجه إلى العنبر رقم 12 لإطفاء الحريق. كان هذا الفريق يجهل ما يخفيه هذا العنبر وعجز عن فتح الأبواب المقفلة قبل أن تنفجر كمّيات نيترات الأمونيوم الهائلة وتقضي على الفريق وعلى بيروت وعلى الحكومة. الفارق أن دياب كان يعرف ماذا يوجد في عنابر الحكم ولكنّه لم يفتح الأبواب التي لم تكن موصدة في وجهه على رغم أنّه عندما تمّ تكليفه كان من المفترض أنه أعطي المفاتيح. ولكن الرجل الذي أتى من أجل مهمة عاجلة جعل هذه المهمة قاتلة.

 

كما دياب يأتي أديب من عالم الغيب. أكاديمي مطعّم بشيء من السياسة. كما بدأ دياب مع حكومة نجيب ميقاتي بدأ أديب مع نجيب ميقاتي في جمعية العزم والسعادة قبل أن يدخل معه إلى السراي في العام 2011، كما دياب، مديراً لمكتبه وقبل أن يتمّ تعيينه سفيراً في ألمانيا من خارج الملاك. كما دياب يأتي أديب أيضاً من سيرة ذاتية عادية. من مواليد العام 1972 في الميناء في طرابلس متزوج من فرنسية ولهما خمسة أولاد ويحمل هو أيضا الجنسية الفرنسية. وكما تم انتقاد دياب على كتابه في وزارة التربية واتهامه بالنرجسية أخذ على أديب أنّه لم يترك أثرًا يذكر في السفارة وأنّه ضمّ راتبه كاستاذ متفرغ في الجامعة اللبنانية إلى راتبه في السلك الدبلوماسي ليصير صاحب أعلى راتب في لبنان(؟) يبلغ نحو 33 ألف دولار بحسب المعلومات التي لم يتمّ نفيها.كما دياب كما أديب

 

الفارق السياسي بين دياب وأديب أنّ الثاني استطاع أن يسلك طريق التكليف بعد تسميته من قبل رؤساء الحكومة السابقين والرئيس سعد الحريري بتوصية من الرئيس الفرنسي وقبول من رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله” وحركة أمل. هذه التسمية حظيت أيضًا بتغطية من دار الفتوى عجز دياب عن الحصول عليها. ولكن كما دياب يبدو أديب كأنّه ينتمي إلى عالم بعيد عن القرار السياسي. لا يبدو أنّه رجل قرار إنّما هو أقرب إلى شخصية من يتلقّى التعليمات. كما دياب بدا أديب في إطلالاته الأولى قليل الكلام. هذا الأمر ليس ناجماً عن حكمة سياسية، حتى لا يقع في الأخطاء قبل مباشرة مهماته، بل عن قلة خبرة سياسية ويعود إلى عدم الجرأة. في وجهه مسحة خجل لا تعبّر عن شخصية رجل الدولة الذي تتطلّبه المرحلة. جمل قصيرة قالها بعد تكليفه طالباً الدعاء له بالتوفيق وكاشفاً فقط أنّه يعمل من أجل فريق عمل متجانس في أسرع وقت. مثله كان دياب قليل الكلام في العلن كثير الكلام الحادّ والجارح في جلسات مجلس الوزراء وكأنّ هناك من كان يكتب له مداخلاته وبياناته وهو لا يقوم إلا بتلاوتها. أديب ليس مضطراً لمثل هذا السلوك. على الأقلّ لم يكشف بعد عن فريق عمله الخاص وما إذا كان سيستعين بعدد كبير من المستشارين. على عكس دياب هو يدخل إلى السراي، إذا دخل، بشبه إجماع دولي على مهمته على أساس أنه سيلبّي خريطة الطريق التي أُعِدَّت في باريس لتُنفَّذ في بيروت. هذه المسألة تتطلّب منه ألّا يكرّر ما فعله دياب في تشكيل الحكومة. حكومة مستقلين لا تفسيرات ولا ترجمة لها إلّا أن تكون كذلك. وبالتالي لا يمكن أن يأتي بوزراء لا تنطبق عليهم هذه المواصفات ولا يمكنه أن يقبل بتوزيع حصص ولا بوزارات ولا بحقائب. نقطة قوّته اليوم هي في الإلتفاف حول مهمته. يبقى عليه أن يكون على قدر هذه المسؤولية. الأيام القليلة التي خرج فيها إلى الناس بعد عودته من ألمانيا لا توحي بأنّه سيستخدم نقاط القوّة التي رافقت التوافق عليه وبأنّه يمكن أن يضرب على الطاولة. تجوّله في منطقة مار مخايل أعطى عكس ما أراده. هنا قد يكمن الفرق بينه وبين نوّاف سلام. سلام يأتي أيضاً من السلك الدبلوماسي ومن تمثيل لبنان في الأمم المتحدة ولكنّه يحمل في سيرته الشخصية نقاط قوّة أكبر يمكنه من خلالها أن يكون رئيس حكومة مستقلّة فعلياً. كان بإمكانه أن يعود إلى لبنان في مهمة عاجلة يجعلها إنقاذية فعلاً.

 

هل يستطيع أديب أن يتلافى جعل المهمّة العاجلة قاتلة؟ إنّها مواجهة اختار أديب أن يقوم بها. مسؤوليته أكبر من مسؤولية دياب. وفشله سيكون مدوّياً. إدارة الحكومة لا تشبه أبدا إلقاء محاضرة على الطلاب في الجامعة.