Site icon IMLebanon

6 أشهر للحلّ أو لـ«مُعَلِّم التلحيم»!

 

لقد «استغشَموا» اللبنانيين كثيراً وطويلاً. لكن خلاصة «الاستغشام» هو «إطعامُهم حلاوة في عقولهم»، بأنّ «معلِّم التلحيم» هو الذي أحرق العنبر 12 وفجَّر «نيترات الأمونيوم» وقلبَ بيروت الجميل؟ وأنّ «معلّم التلحيم» يقوم يومياً بإحراق ما بقي في المرفأ، وأنّ «معلِّم التلحيم» هذا هو الذي أشعل المَعْلَم الذي صمَّمته زها حديد في واجهة بيروت! إنّها فعلاً «ضربة معَلِّم» بالكذب. تُرى، «معلِّم التلحيم» هل يُحرِق مصطفى أديب والحكومة والحلّ الفرنسي والبلدَ بأمِّه وأبيه؟

عندما بدأت حكومة الرئيس حسّان دياب تترنَّح، قبل انفجار 4 آب، سُمِع في بعض الأوساط الديبلوماسية الغربية، أنّ موعد الحلِّ في لبنان ربما لم يأتِ بعد، لأنّ الطاقم السياسي الممسك بالسلطة ليس مقتنعاً بالإصلاح الحقيقي وبإبعاد لبنان عن محاور القتال في الشرق الأوسط، وأنّ إنضاج هذا الحلّ يستلزم انتظار التقدّم في عناصر أخرى.

 

وعندما سُئل أحد المطلعين عمّا إذا كان سقوط حكومة دياب وقيام حكومة جديدة يمكن أن يوفِّرا الظروف لهذا الحلّ، أجاب: «يتوقف ذلك على تركيبة الحكومة الجديدة ونهجها ومدى إصرارها على تحقيق الهدف».

 

ولكن، يضيف، «حتى وإن فشلت الحكومة المقبلة في الإنقاذ، فإنّها على الأرجح ستكون آخر حكومات الانهيار، لأنّ لبنان سينزلق معها إلى القعر تماماً، إي إلى حيث لا يمكن الهبوط أكثر!».

 

ففي هذه الحال، سيستسلم الجميع ويرضخون، لأنّهم سيخسرون كل طاقاتهم وسيعجزون عن الاستمرار في لعبة فرض الشروط والمطالبة بالمزيد. وعندئذٍ، ستولد الحلول غصباً عنهم، ووفقاً لما ترتأيه القوى المعنية وذات المصلحة.

 

اليوم، يستعيد البعض هذا الكلام لطرح سؤال عمّا إذا كان سيُتاح للرئيس المكلَّف أن يشكّل حكومة الحلّ، أو ستوضع الأثقال في قدميه ليتمّ إغراقُه هو والحكومة والمبادرة الفرنسية، فيكون عملياً قد ترأس آخر حكومات الانهيار؟

 

ولكن، بالأخصّ، يُطرح سؤال عن مدى التغطية الأميركية للمبادرة الفرنسية. وقد جاء تحذير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من فشل هذه المبادرة ليضع النقاط على الحروف، خصوصاً أنه بعث برسالته من باريس مباشرة، عبر «إذاعة فرنسا الدولية والفيغارو».

 

بومبيو حذّر فرنسا من أنّ جهودها في لبنان «قد تضيع إذا لم يتمّ التعامل فوراً مع مسألة تسلّح «حزب الله». وقال: «سنمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع السلاح إلى «حزب الله» ونسف جهود ماكرون».

 

بعض المحللين سارع إلى القول، إنّ واشنطن سدّدت ضربة إلى المبادرة الفرنسية، في منتصف الطريق، بعدما اكتشفت تراخيها في التعاطي مع «حزب الله» وسلاحه وتمويله ومدى اختراقه للمؤسسات الرسمية اللبنانية، وتوقعت رضوخها له في مسألة تأليف الحكومة، بعد انقضاء مهلة الأسبوعين التي منحها الفرنسيون ودخول رئيس الجمهورية ميشال عون على خط «التمييع».

 

ويربط هؤلاء بين موقف بومبيو والعقوبات التي بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب إصدارها، بالتزامن مع مساعي تأليف الحكومة، والتي بدأت بالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وتستمرّ في الأيام المقبلة بدفعة أسماء جديدة متنوعة الانتماءات طائفياً ومذهبياً وسياسياً.

 

وفي اعتقاد البعض، أنّ مصلحة واشنطن تقضي بإفشال المبادرة الفرنسية سريعاً لتتمكن من الدخول مباشرة على الخط اللبناني، في مهلة الأسابيع القليلة الباقية، قبل انشغالها بالانتخابات الرئاسية والترتيبات الإدارية والسياسية التي ستعقبها، وبمعزل عن الفائز فيها، ترامب أو جو بايدن.

 

لكن أوساطاً سياسية تقرأ الموقف الأميركي تجاه باريس بشكل أعمق. فهو سلبي وإيجابي في آن واحد. وترى أنّ الفرنسيين يتحرّكون تحت السقف الأميركي، وأنّ الطرفين يعملان لهدفٍ واحد، هو إبعاد نفوذ إيران عن المتوسط وموارده والأساطيل الغربية وشواطئ أوروبا وحدود إسرائيل. ويناسب الأميركيين أن يضطلع ماكرون بدور الوسيط ما دام يسعى إلى هذا الهدف.

 

ولكن، إذا تبيّن للأميركيين أنّ فرنسا بدأت تتراخى في مبادرتها وتفسح المجال لكي يتمادى «الحزب» في ممارسة نفوذه، بالمال والسلاح، فإنّهم يصبحون تلقائياً ضد المبادرة الفرنسية، فيعمدون إلى إسقاطها ويعودون إلى الإمساك بالملف مباشرة.

 

ولذلك، عندما يضغط الأميركيون بعقوباتٍ هي الأولى من نوعها، ضدّ مقرّبين من «الحزب»، فإنّهم عملياً لا يشوّشون عليها بل يقدّمون إليها خدمة ثمينة. فمجرَّد إصدار العقوبات الأميركية أو التلويح بها يمكن أن يساعد الفرنسيين في نجاح مبادرتهم، لأنّه يجمِّد مشاغبات قوى السلطة ويسهٍّل مهمة الرئيس المكلّف.

 

إذاً، تتكامل المصالح الأميركية والفرنسية حالياً في لبنان. ولكن، بالتأكيد، إذا تبيَّن للأميركيين أنّ باريس ستتراخى، وأنّ «حزب الله» سيستفيد من فرصة الدعم الفرنسية، مالياً وسياسياً، للاستمرار في توسيع نفوذه، فسينقلبون على المبادرة الفرنسية.

 

وفق المطلعين، يستحيل على ماكرون أن يغامر في خسارة التغطية الأميركية. فصحيح أنّ هناك اختلافات أميركية- فرنسية في التعاطي مع الملف الإيراني وفي النظرة إلى «حزب الله»: هل هو مكوِّن سياسي لبناني أو ميليشيا عسكرية؟ ولكن، بين الحليفين الغربيين مصالح متينة في أوروبا والمتوسط والشرق الأوسط، وتوافق حول لبنان ودوره الإقليمي.

 

وبالتأكيد، ليست صحيحة مقولة أنّ ماكرون يستفيد من كون ترامب مضغوطاً بالوقت للاستفراد بالتسوية في لبنان. فالفرنسيون يعرفون جيداً أنّ واشنطن هي التي تمتلك الأوراق القوية في الشرق الأوسط، قبل الانتخابات وخلالها وبعدها.

 

وفي هذا المناخ، هناك 3 حالات سيذهب الرئيس المكلّف إلى واحدة منها:

 

1 – أن يتلقّى الرجل دعماً مطلقاً من فرنسا، والولايات المتحدة أيضاً، ليشكّل حكومة الحلّ.

2 – أن ينسحب تاركاً لحسّان دياب «الأصلي» أن يواصل انحداره.

3 – أن يرضخ للأمر الواقع ويقبل بأن يكون نسخةً ثانية من دياب، فيأخذ عنه مَهمَّة الوصول سريعاً إلى قعر الهاوية.

 

سيقاتل أديب والفرنسيون والأميركيون لإنجاح الحالة الأولى. لكن المحور المقابل سيستخدم كل أوراقه أيضاً. ولذلك، يمرّ لبنان اليوم بأسبوع حاسم: الذهاب نحو الإنقاذ الحقيقي أو الاهتراء الحقيقي. فلا مجال للتمييع بعد اليوم، على الأرجح.

 

ويقدّر العارفون أنّ تثبيت فترة النهوض يستلزم قرابة 6 أشهر. وأما إذا سلك لبنان طريق الانهيار فسيصل خلال فترة أقصر من ذلك بكثير، خصوصاً أنّ ذلك سيتمّ برعاية سخيّة من «معلِّم التلحيم».