نام مصطفى أديب سفيراً مغموراً واستيقظ رئيساً للحكومة. انّها واحدة من الإنجازات بل العجائب الإضافية لـ«فانوس» التسويات السحري.
يُجمع من تسنّى لهم التعرف من قرب الى الدكتور مصطفى أديب، على انّه آدمي، خلوق، مهذب، وسطي، ديبلوماسي، غير مذهبي، منفتح على الجميع بلا استثناء، ويهتم بأن لا «يزعل» منه أحد.
ويروي احد «الخبراء» في شخصية أديب، انّه يحترف تدوير الزوايا الحادّة ويجيد التكيّف مع الأمر الواقع. واذا كان الرئيس نجيب ميقاتي هو أول من «اكتشفه»، بحيث عيّنه مديراً لمكتبه بعد تدرّجه في تيار «العزم» ثم دعمه لتولّي سفارة لبنان في برلين، فإنّ ذلك لم يمنع أديب لاحقاً من إقامة صلات جيدة مع الرئيسين سعد الحريري وتمام سلام وحتى حسان دياب، حين تسلّموا رئاسة الحكومة، في ترجمة واضحة لطبيعته المرنة.
والى جانب نجاحه في كسب ثقة رموز طائفته، تمكّن أديب من بناء علاقة ممتازة مع الجالية اللبنانية في ألمانيا، وهي من أكثر الجاليات التي يغلب عليها الطابع الشيعي في اوروبا. وحين تقرّر ان يشارك المغتربون في الانتخابات النيابية السابقة، حصل تواصل مباشر بين أديب والرئيس نبيه بري، الذي شعر آنذاك بالارتياح الى سلوكه، وهو شعور عززته الأصداء التي كانت تصل إلى عين التينة، حول التفاعل الايجابي بين السفير اللبناني المعتمد في برلين والمغتربين في ألمانيا، خصوصاً الشيعة منهم. كذلك، ترك أديب ارتياحاً لدى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي التقاه عندما زار ألمانيا.
وامام هذه التقاطعات التي برع السفير الطرابلسي في نسجها، يُروى انّه عندما قال له الاعلامي سالم زهران قبل نحو عامين أنّه مشروع رئيس حكومة، لاحظ بعض الذين التقوه يومها في مجلس خاص عدم استغرابه كثيراً لهذا التوقع، استناداً الى ما زرعه من اعتدال وانفتاح على جميع الاطراف، وكأنّه كان يفترض ضمناً بأنّ لديه المؤهلات لتسلّم رئاسة الحكومة اذا نضجت في لحظة ما، الفرصة المناسبة.
ولكن، هل مواصفات أديب تتناسب مع متطلبات هذه المرحلة وتحدّياتها الضخمة؟
هناك من يلفت، الى انّ المفارقة التي تواكب دخول أديب نادي رؤساء الحكومات، هي انّه آتٍ الى مهمة اصلاحية بغطاء من طبقة سياسية، تتعارض مع مصالح غالبية مكوناتها مع الإصلاحات الجوهرية المطلوبة والمكافحة الجذرية للفساد، كما اثبتت التجارب حتى الآن. وبالتالي، فإنّ السؤال، هو كيف سيتصرف الرئيس المكلّف اذا اصطدم بحسابات بعض القوى السياسية التي غطّته وسمّته، وهل سيكون قادراً على مواجهتها وهي التي حملته على «الراحات» من السفارة في برلين الى السرايا الحكومية في بيروت؟ ام انّه سيضطر الى مسايرتها ومهادنتها، في اعتبارها صاحبة الفضل عليه، مع ما يعنيه ذلك من اخفاق لمهمته الإنقاذية؟
يعتبر احد الذين تربطهم صداقة بالرئيس المكلّف، انّ الرجل سيواجه اختبارات صعبة جداً، وانّ الصفات الايجابية التي يتحلّى بها قد تكون نقطة قوة او نقطة ضعف له، تبعاً للخيارات التي سيعتمدها وللطريقة التي سيتصرف بها لاحقاً.
ولا تخفي الشخصية الصديقة لأديب، خوفها من أن يتمّ استنزافه في اللعبة الداخلية ودهاليزها المظلمة، لافتة إلى أنّه سيكون محاطاً بمجموعة من الذئاب والثعالب السياسية التي تجيد المناورات، وسيجد نفسه أمام امتحانات فورية لا تتحمّل إنصاف الحلول والعلاجات، من قبيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتحقيق الجنائي المالي والـ»كابيتال كونترول»، وكلها ملفات حيوية ومفصلية تقع على فالق سياسي متحرّك.
من هنا، تلفت تلك الشخصية، الى انّه اذا لم تبدّل القوى الداخلية نهجها القديم ولم تتجاوب مع شروط الإنقاذ، فإنّ أديب سيكون مكبّلاً ومحاصراً، ولن يستطيع إحداث الفارق المنتظر وكسب الثقة الداخلية والخارجية.
ولعلّ أديب سيرتكز بالدرجة الأولى على كاسحة الألغام الفرنسية التي يقودها الرئيس إيمانويل ماكرون، لعبور الطرق المفخخة بأقل الخسائر الممكنة، ولدفع رعاة التكليف الى تقديم التنازلات الضرورية، التي من شأنها تسهيل مهمة الرئيس المكلّف.
ولكن هناك من ينصح أديب بأن لا يكتفي بمحاولة استجرار الدعم الخارجي، على أهميته، إذ انّ المطلوب منه أيضاً، وفق رأي أصحاب هذا الطرح، ان يغادر عقلية الموظف وان يمتلك زمام المبادرة، «وإلّا فإنّه سيكون أقرب إلى رئيس الهيئة العليا للإغاثة منه الى رئيس الحكومة».