استكمال تشكيل الحكومة العتيدة متواصل تحت غطاء التفاهم الداخلي والدعم الفرنسي
يؤشر تفاهم الأطراف السياسيين على اسم الدكتور مصطفى أديب لتشكيل الحكومة العتيدة إلى تجاوز الخلافات والصعوبات التي كانت تقف عائقاً امام انطلاق محاولات تشكيل الحكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب، وإلى بداية مرحلة إتمام عملية تشكيلها، لتنطلق للمباشرة بالمهمات الجسام التي تنتظرها، لا سيما في وضع الأسس المطلوبة لحل الازمة المالية والاقتصادية بالتوازي مع تسريع الاهتمام الحكومي بعملية إعادة الاعمار وترميم المناطق المهدمة جرّاء الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت منذ قرابة الشهر، وإيلاء احتياجات ومطالب المواطنين الاهتمام والرعاية اللازمة.
ويعكس تأييد الكتل الوازنة في المجلس النيابي لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، دعمها الواضح، والتوجه لتسهيل عملية التأليف بالرغم من تحفظات بعض الاطراف الثانويين والنواب المنفردين على آلية الاختيار المعتمدة لرئيسها، ما يعني ضمناً ان إنجاز تشكيلها لن يكون معقداً أو يستهلك وقتاً طويلاً، بعد ان تمّ التفاهم على الخطوط العريضة وشكل ومكونات الحكومة في مسار اختيار اسم الرئيس المكلف، لا سيما مع تلازم الدعم الفرنسي المتواصل لتسريع ولادتها في أقرب فرصة ممكنة لأن البلد لا يحتمل البقاء فترة طويلة من دون حكومة جديدة وقادرة على تحمل مسؤولية المتطلبات والأزمات المتراكمة التي يواجهها الشعب اللبناني.
ويشكل تزامن تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة مع عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان وفاءً للوعد الذي قطعه للبنانيين عشية زيارته السابقة لتأكيد الاحاطة الفرنسية الرسمية والتضامن معهم بعد كارثة التفجير المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب المنصرم، دليلاً إضافياً على تنفيذ متطلبات ولادة الحكومة الجديدة التي أوصى بها الرئيس الفرنسي لدى لقائه بالقيادات السياسية في قصر الصنوبر مؤخراً، وترجمة عملية لبدء تحقيق الانفراج السياسي بالداخل والمباشرة بوضع الحلول للأزمات المتراكمة، بعد ان عجزت الحكومة المستقيلة عن القيام بهذه المهمات طوال مُـدّة توليها المسؤولية.
ولا شك ان تواصل الاهتمام الفرنسي بالوضع الداخلي ومتابعة مسار تشكيل الحكومة العتيدة على هذا النحو، سيوفر عوامل انطلاق سلسة للحكومة الجديدة ويساهم بفاعلية في إزالة التحفظات والعقبات التي اعترضت مسيرة الحكومة المستقيلة، إن كان في الداخل أو الخارج على حدٍ سواء، ولا سيما على صعيد إزالة العقبات وتخفيف الشروط المفروضة من قبل المجتمع والصناديق والمؤسسات المالية الدولية لمساعدة لبنان لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يتخبّط بها منذ سنة تقريباً.
وفي حين افتقدت الحكومة المستقيلة عوامل عديدة لم تحظَ بها منذ تأليفها، وهي عوامل ضرورية وأساسية لتوفير انطلاقة مقبولة على الأقل، وتبدأ من عامل التفاهم السياسي حولها، ما جعلها حكومة «اللون الواحد» وغياب أي مقومات للدعم العربي والدولي لها يصل إلى حدّ المقاطعة شبه الكاملة ومن ثم انغماسها سريعا في استعداء أطراف سياسيين كتيار «المستقبل» وتبني خطابات ومواقف خصومهم السياسيين الاستفزازية والمزيفة ضدهم وما إلى ما هنالك من تصرفات وممارسات كيدية يلاحظ ان اختيار رئيس الحكومة الجديدة مصطفى أديب، حصل تحت غطاء سياسي جماعي هذه المرة، وهذا التفاهم حول هذا الخيار متوقع انسحابه على عملية التشكيل ايضا، لتكون الحكومة الجديدة، معبرة عن هذا التفاهم لتستطيع شق طريقها والقيام بمهامها الصعبة وتحوز على ثقة المواطنين ولو بشكل تدريجي، وهذا لن يتحقق الا بحسن الأداء الحكومي وتحقيق انفراجات مقبولة في معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية ونجاحها قدر الإمكان في التخفيف من وطأة الضائقة المعيشية الخانقة التي تضغط على كاهل المواطن العادي وكيفية مقاربتها للمشاكل المستعصية ووضع الحلول اللازمة لها، كمشكلة الكهرباء التي تستنزف مالية الدولة وجيوب اللبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات ومشاكل النفايات والبيئة والصحة وغيرها من المشاكل المتراكمة.
لا يمكن تشبيه الحكومة الجديدة بالحكومة المستقيلة أو التنبؤ بمصيرها كما يحلو للبعض التبشير بذلك، لأن الرئيس المكلف من خارج نادي رؤساء الحكومات السابقين أو ليس من ضمن الطاقم السياسي التقليدي، بل هناك اختلافات وتمايز ملحوظ، بين رئيسي الحكومة المستقيلة والرئيس المكلف وتركيبة كل منها، ويبقى انتظار الاداءالسياسي والحكومي في المرحلة المقبلة لإعطاء التقييم الطبيعي بخصوصها قبل أي استنتاج استباقي آخر على أي صعيد كان، في حين لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار ان ما تتميّز عنه الحكومة العتيدة من مزايا التفاهم والدعم الداخلي الملحوظ والاحاطة المتواصلة من الدعم الفرنسي وغيره، يُشكّل عامل دفع مؤاتٍ ويساهم في تذليل الكثير من الصعوبات والعوائق التي تعترض عمل الحكومة للقيام بالمهمات الملقاة على عاتقها في المرحلة المقبلة.