عاد الإهتمام السياسي إلى الملفات الداخلية الساخنة بعد عطلة الأعياد، سواء لجهة الإستحقاقات العسكرية أو الدستورية، في ضوء تنامي الحديث عن ضرورة إيجاد حل لملف النزوح السوري، مع ارتفاع عدد الحوادث الأمنية في أكثر من منطقة، وما يطرحه من تأثير على الواقع العام ومؤسّسات الدولة وانتظام عملها. وفي هذا المجال، يعتبر النائب السابق الدكتور مصطفى علّوش، في حديثٍ لـ”الديار”، أنه “إذا كنا نتحدّث عن الدولة، فلم يعد من دولة في لبنان، وبصراحة أن لبنان كان يجهّز نفسه على مدى 70 أو 75 عاماً للوصول إلى هذه المرحلة، لأنه بُني على أسس غير سليمة، فدولة شراكة بمزرعة لا يمكنها الصمود إلاّ في حال تطوّرت لتصبح دولة مؤسّسات، وهذا الأمر لم يحصل. في النهاية هناك ردّة واضحة اليوم عند الكثير من اللبنانيين، وبالأخص عند المسيحيين، أن البطريرك الياس الحويك أخطأ بفكرة لبنان الكبير، ولهذا، فإن لبنان ألـ10452 كيلومتر مربع لم يعد موجوداً لدى معظم اللبنانيين، أما إذا نظرنا إلى لبنان الفكرة، أي أن هناك مواطنين يريدون الحفاظ على حريتهم في بلد تعدّدي، فهذا لا يزال موجوداً عند الكثيرين، وهؤلاء بإمكانهم الذهاب إلى أي بلد يحفظ لهم حريتهم وتعدّدهم، وهذه هي الإشكالية”.
وفي هذا المجال، يرى علّوش، أن “لبنان الدولة التي تأسست في العام 1943 أو الفكرة التي تأسست في العام 1920، وأيضاً الفكرة التي تحدّث عنها قداسة البابا يوحنا الثاني أن لبنان هو رسالة، أصبحت الآن منسية من معظم اللبنانيين، وأمّا عن مستقبل لبنان، أصلاً فكرة لبنان الأساسية لم تكن ناجحة، لكن فكرة لبنان كدولة تعددية تحافظ على حرية الناس، يمكن أن تعود، فأي بلد يجب أن يكون فيه دولة، والدولة يجب أن تكون هي الوحيدة التي تقبض على قرار الحرب والسلم وعلى استعمال العنف وعلى حمل السلاح، فإذا توفر هذا الأمر يمكن القول أنه من الممكن عودة لبنان الذي عرفناه لتأسيس البلد، طبعاً مع تطوير نظام المصالح القائم فيه من المزرعة وحجم الطوائف وأمراء الطوائف إلى حكم ديموقراطي عادل”.
وحول توقّعاته لمرحلة ما بعد انتهاء حرب غزة، يقول علّوش، إنه “منذ العام 2012، عندما ظهرت النصرة في سوريا، اقتنعت أننا ذاهبون إلى سيناريو رسم الخرائط، مع قناعتي بأن سايكس بيكو انتهى، ولكن رسم الخطوط لم ينتهِ برأيي، وهو قد يشبه إلى حد كبير ما كان قائماً في سوريا ما قبل العام 1936، أي أربع دول، وفي لبنان هناك رغبة حثيثة عند المسيحيين على الأقل، للعودة إلى إمارة جبل لبنان، لذا، قناعتي أنه في حال حصول تفاهم عام في المنطقة، ستظهر كيانات جديدة مستقلة تستند بشكل أساسي إلى الطائفة والمذهب والدين أكثر من أي شيء آخر”.
وعن ملف عودة النازحين السوريين، لا سيما بعدما تكثّفت جرائم القتل، ما يطرح تساؤلات عن أمر مبرمج في هذا السياق، يجيب الدكتور علّوش بأنه “قد يكون هناك شيء مبرمج، لكن علينا النظر إلى نسبة الجرائم العامة، لنرى أن نسبة الجرائم التي يرتكبها السوريون، هي بنفس نسبة عدد النازحين السوريين الموجودين في لبنان، وأنا أراها في طرابلس، فالحوادث التي تحصل من قتل واعتداءات وضرب سكاكين، أكثريتها الساحقة ليست من السوريين، إنما لبنانيين يعانون أوضاعاً سيئة، لذلك أرى أنه قد يكون هناك عمل مبرمج، وربما السبب هو في واقع تحلّل الدولة الذي يؤدي إلى عدم خوف من سيرتكب من أي محاسبة قد تطاله، أو إمكانية مواجهته من أي جهاز أمني، لذلك، وبنتيجة تحلّل الدولة نرى ارتفاعاً في نسبة الجريمة، وأنا أستغرب تدني هذه النسبة بالنسبة للأوضاع التي يمرّ بها البلد ولعدد النازحين السوريين، لأني أعتقد أنه بالنسبة لغياب الدولة والوضع الإقتصادي القائم، يجب أن يكون عدد الجرائم أضعاف ما يحصل اليوم”.
وعن الحراك المستجدّ لسفراء “الخماسية”، وما إذا كانت من من إيجابيات في المدى المنظور، يجزم علّوش بأن “لا رئيس في العام 24 ولا حتى في العام 25، لأن الأمور مرتبطة اليوم بشيء واحد هو شكل المنطقة بعد انقشاع غبار المعارك في غزة، والصراع القائم اليوم بعد الدخول الإيراني في المعركة بشكل مباشر، وما إذا كان هناك أي توجّه لتقليم أظافر إيران أم لا، وما هو مصير الفلسطينيين في غزة ورفح، فكل هذه الأمور لا تزال غير واضحة المعالم، وثانياً العالم غير مهتم بلبنان، واللبنانيون غير مهتمين بالرئاسة لولا كلام البطريرك بشارة الراعي الذي يذّكر أسبوعياً بهذا الملف، والخماسية يدركون أنهم يؤدون عملاً لن يصل إلى نتيجة من دون تبدّل جذري بموازين القوى، أو بتبدّل جذري في واقع المنطقة ككل”.