إغتيال الحريري هزّنا و8 آذار أحبطتنا و14 آذار أنقذتنا
للدكتور مصطفى علّوش تجربة سياسية غنيّة بعضها حديث في السياسة وبعضها مخفيّ ولم يسبق أن كشف عنه إلّا لماماً. النائب السابق ونائب رئيس «تيار المستقبل» قبل أن يستقيل منه، كان منتظماً في العمل الأمني في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وتحديداً في العمل الخارجي الذي كان يديره وديع حداد الرجل اللغز والمخطط للكثير من العمليات الأمنية وخطف الطائرات. بعد انتقاله إلى دراسة الطب في الجامعة الأميركية وبعدما أصبح طبيباً مقيماً أعجبته ظاهرة ميشال عون في العام 1988 فأيّده وتردّد إلى قصر الشعب في بعبدا قبل أن يشعر بالأسى عليه في 13 تشرين. بعدها تعرّف إلى رفيق الحريري وكان عمل في الولايات المتحدة الأميركية وظهر عنده التحوّل من اليسار المتشدّد إلى الليبرالية الإجتماعية. أعجبه الحريري الذي أتى إلى لبنان من ضمن مشروع إقليمي ودولي كبير. في هذه الحلقة يتحدث الدكتور علوش عن علاقته مع الرئيس رفيق الحريري وعن اغتياله وعن اختيار الرئيس سعد الحريري ليكمل مسيرة والده و»تيار المستقبل».
ما الذي جمعك مع الرئيس رفيق الحريري؟
– اعتبرت أنّ هناك ما يربطني بالرئيس رفيق الحريري من دون أن يتحوّل الأمر إلى رابط سياسي في بداية الأمر. شاركت في جمعية الخريجين ولكنها كانت تجربة غير مشجِّعة لأنها أتت من دون أفق وفكر سياسي. حتى عندما أردت أن أترشّح لأحد المناصب فتحوا لي ماضيَّ وقالوا لي «أنت شيوعي».
سنة 1996 قدّرت ما قام به الرئيس الحريري بعد عملية «عناقيد الغضب» وشعرت أنّه شخصية دولية ومحترمة في العالم كلّه، وهنا كانت الحرب بدأت تتحضر ضدّه تمهيداً لانتخاب إميل لحود رئيساً للجمهورية وبدأت الإشاعات حول أنه يريد أسلمة لبنان.
سنة 1998 تم إبعاده عن السلطة بعد انتخاب لحود رئيساً للجمهورية. في تلك السنة خضت الإنتخابات البلدية في طرابلس في لائحة غير لائحة «تيار المستقبل» وحصلنا على عدد من الأصوات التي كان يمكن أن ترجِّح كفة إحدى اللائحتين المتنافستين. بعد خروج الرئيس الحريري من الحكم اتصل بي سمير الجسر وأحمد فتفت وعرضا عليَّ أن أكون جزءاً من العمل السياسي في تيار رفيق الحريري. وبدأت العلاقة السياسية تجمعني معه ومع تياره الذي صار «تيار المستقبل».
كنت تلتقيه دورياً؟
– كنّا نلتقيه ولكن ضمن مجموعات أو ضمن لجنة عكار وطرابلس في هيئة لجنة المحافظة. كانت برئاسة سمير الجسر وعضوية أحمد فتفت وأنا ومصطفى هاشم وآخرين. عندما حاصروه قبل التمديد للحود وخرّبوا له «باريس 2» وأبعدوا وزراءه كانت الأوضاع تتدهور والناس تشتم رفيق الحريري. قلت له «ما هي مصلحتك في البقاء في الحكم والناس عم تسبّك وأنت لا تستطيع أن تتحرّك؟» تفاجأ بهذا الكلام وسأل: يعني؟ قلت له: استقِل. قال: إذا استقلت سيخربون كل ما فعلته. يجب أن نصبر ونصمد ثلاثة أو أربعة أشهر وإميل لحود رايح. وأي شخصية أخرى ستكون أفضل منه. قلت: «وماذا إذا أتت شخصية أسوأ؟ السوريون حاكمون ويمكن أن يأتوا بشخصية أسوأ». قال: لا يوجد أسوأ. قلت: ماذا إذا حصل تمديد أو تجديد؟ قال عندي كل المعطيات التي تقول أن هذا الأمر لن يحصل. سألته: أكيد دولة الرئيس؟ قال: مئة في المئة. «يا دكتور ما تفكر إني قاعد بالخسِّة. أنا عارف شو عم يصير».
ما الذي كان يجعله مطمئنًّا؟
– أعتقد أنه كان على اطلاع على معلومات بهذا الخصوص من الرئيس الفرنسي جاك شيراك. كان ذلك في مرحلة التحضير للقرار 1559 في حال حصول التمديد للحود. ولكن القرار صدر وحصل التمديد بعدما كان هدّده بشار الأسد. وافق على التمديد وصارت ثورة ضده. قدمت استقالتي. قلت له: لم أعد أريد أن أكون في هذا التيار لأنه تيار الخنوع. عندما حصلت محاولة اغتيال مروان حماده بدأت أستوعب الأمور بطريقة أفضل. هناك حركة يجب مواجهتها خصوصاً بعد اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة وتوجهه برسالة إلى اللبنانيين قال فيها إنّه يستودع لبنان بين يدي الله. عدت عن استقالتي.
متى كان آخر لقاء معه؟
– آخر لقاء معه كان قبل اغتياله. التقيناه لتهنئته بالأعياد. ما كان أحد ليصدّق أن يتمّ اغتياله. كانت لديه تطمينات دولية بهذا الخصوص. ولكنها كانت خادعة وخاطئة. أعطانا هذا الإنطباع. شيراك طمأنه.
أين كنت في 14 شباط؟
– عندما اغتيل في 14 شباط 2005 كنت أجري عملية جراحية. ما عدت أعرف ماذا يمكن أن أفعل. أصبت بالذهول وبقيت مصدوماً لمدة اسبوع وصرت محبطاً وحزيناً. شاركت في الجنازة ولكنني اعتقدت أنّ نضالنا انتهى باغتياله. طرابلس لم تكن قد دخلت في جوّ ما كان يحصل في ساحة الشهداء خصوصاً أن رئيس الحكومة كان عمر كرامي من طرابلس. نظّمنا جنازات رمزية ومظاهرات ومجالس عزاء ولكنّني كنت حزينًا في الوقت نفسه. جوّ ساحة الشهداء ثمّ استقالة عمر كرامي، أعطيا أملًا أنّنا قادرون أن نفعل شيئًا. مظاهرة 8 آذار أحبطتنا ولكن مظاهرة 14 آذار أنقذتنا.
كيف ترشّحت إلى انتخابات 2005 النيابية؟
– سنة 2004 رشّحني «تيار المستقبل» على بلدية طرابلس. كنت في فرنسا. عدت وحصلت على أكبر عدد من الأصوات. لم تكن لديّ رغبة في أن أكون رئيسًا للبلدية لأنّه كانت لديّ أعمالي كطبيب. اتصل بي الرئيس رفيق الحريري وقال لي: مبروك. شو رأيك السنة الجاية نرشّحك عالإنتخابات؟ قلت له دولة الرئيس أشكرك على ثقتك ولكن مرشحي هو سمير الجسر. «إذا كان هناك محلّ تاني ما في مشكلة». كانوا يبحثون عن شخصية غير سمير الجسر باعتبار أنه غير شعبي.
عندما حصلت عملية الإغتيال تذكّرت ما كان طلبه الرئيس الحريري وأعلنت أنني على استعداد للترشّح إلى الإنتخابات. كانت مرحلة نضالية جديدة وكانت كل المقدرات مع سمير الجسر. وكنت أخوض المعركة كأنني مرشح منفرد وأتكفّل بتكاليف معركتي الإنتخابية وكنت على الأرض مع الناس وكانت هناك نظرة طبقية داخل «التيار». لم أكن أعرف (اللواء) وسام الحسن. اتصل بي وكنت قد حصلت على أصوات في المنية وطلب مني أن نحلّ قصة مرشح المنية وكان الرأي على أن يكون الدكتور هاشم علم الدين شقيق عثمان علم الدين. وكلّفني بحلّ قصة المرشّح العلوي. التقيت 18 شخصية، إلى أن قرّ الرأي على بدر ونوس. كان خضر حبيب هو المطروح ولكن تمّ اعتماد ونوس. خضت المعركة مرتدياً قميص 14 آذار ونجحت.
كيف صار سعد الحريري رئيسا «للتيار الأزرق»؟ خيار السعودية أم خيار العائلة؟
– أعتقد أنه قرار مشترك. لم نكن نعرف لا سعد الحريري ولا بهاء ولا أي من أبناء رفيق الحريري الذي كان يريد أن يبقى ابناءه بعيدين عن السياسة. كان يقول: «ما بدّي ورِّث سياسة». تعرفنا اليهم وقت الدفن. ردة فعل بهاء كانت مفاجئة. بعدها بدأ القرار بين ولي العهد السعودي الأمير عبدالله وبهية الحريري والعائلة وتم اختيار سعد. كان شخصية مجهولة سياسياً وبقي كذلك لمدة من الوقت.
لم يكن هو رئيس الكتلة النيابية. كان بهيج طبارة، وفؤاد السنيورة رئيس مجلس الوزراء. لم يحصل أيّ لقاء خاص معه كنا نلتقي ضمن اجتماعات الكتلة. وكانوا يعتبرون أنني استفزازي. وكنت بدأت في هذه المرحلة لقاءات مع نائب القوات إيلي كيروز والدكتور إيلي خوري من أجل بناء رؤية مشتركة بين «القوات» و»المستقبل». وذهبت إلى فرنسا والتقيت الدكتور سمير جعجع الذي كان خرج من السجن وذهب إلى باريس. استمر اللقاء معه نحو ساعتين وكان بدأ ميلي يزيد لبناء علاقة مع «القوات اللبنانية» ونشأت صداقة.
ما كان تقييمك لقدرات سعد الحريري على قيادة «التيار»؟
– كنت اعتبر أنه «بعد بكير عليه». قلت له ذلك وزعل. كنت في مقابلة على قناة «الجزيرة» وقلت أن من حقّ الشعب العراقي مقاومة الإحتلال كأيّ شعب محتلّ. كان الحريري على موعد مع الرئيس الأميركي جورج بوش في واشنطن. «زعل وبطّل يحكي معي». كان ذلك في بداية العام 2006. سألت أحمد فتفت. قال لي إسأل هاني حمود. اجتمعت به قال لي إن سعد الحريري اعتبر ما قلته عملية تخريب ضده. قلت له ولماذا لم يقل لي؟ قال هو لا يقول لك. قلت مفروض يقول ويحاسب. هل اتفقنا على السياسة تجاه ما يحصل في العراق؟ لم نتفق. قال حمود: «عندك فرصة. سليمان فرنجية هاجم سعد الحريري هاجمه».
فعلاً، طلعت عملت تصريح وهاجمت فرنجية. كانوا يحاولون عرقلة إطلالاتي الإعلامية ويقولون لي ما سمحنالك تطلع عالإعلام. في حرب تموز 2006 كان سعد الحريري خارج لبنان فطلعت وما عاد بإمكانهم منعي. ولكن العلاقة مع سعد الحريري لم تعد طبيعية. كان هاني حمود يتواصل معي. ما كان سعد الحريري يحضر كل اجتماعات الكتلة وعندما يحضر لا يسلِّم علي. سألوني في الوكالة الوطنية للإعلام مرّة عن «حزب الله» إذا كان ميليشيا أجبت بالتأكيد هو ميليشيا. كنت أول نائب سني يقول ذلك. هاجموني في تلفزيون «المنار» واعتبروا أنني انحرفت عن «تيار المستقبل». اتصل هاني حمود وسألني «كيف بتعمل هيك؟ بدك تعمل بيان وتتراجع عن هالكلام». قلت: أعلن أن هذا الكلام هو على مسؤوليتي.
وهكذا حصل وبقيت الأمور متوترة وكنت عزمت على تقديم استقالتي من الكتلة ومن «التيار» ولكن حصل واستقال الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس السنيورة وتمّت محاصرة السراي الحكومي واحتلّ مناصرو «حزب الله» الوسط التجاري فكثرت إطلالاتي الإعلامية وصار سعد الحريري يشوفني. كان يحتاج إلى مزيد من الوعي السياسي ولكن الناس كانوا يعتبرون أنه الزعيم وكنت أحبه على الصعيد الشخصي. لديه طيبة ولكن مواقفه في بعض المحطات لم تكن تقنعني. كان دوري في الإعلام وكنت أقول ما أريده على رغم الجدالات مع نادر الحريري وغيره من المستشارين.
يتبع: نواب تحت الحصار وعملية 7 أيار
سعد الحريري من لقاء الأسد إلى ترشيح عون
(السبت 12 تشرين الثاني)