نواب تحت الحصار وعملية 7 أيار… سعد الحريري من لقاء الأسد إلى ترشيح عون
للدكتور مصطفى علّوش تجربة سياسية غنيّة بعضها حديث في السياسة وبعضها مخفيّ ولم يسبق أن كشف عنه إلّا لماماً. النائب السابق ونائب رئيس «تيار المستقبل» قبل أن يستقيل منه، كان منتظماً في العمل الأمني في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وتحديداً في العمل الخارجي الذي كان يديره وديع حداد الرجل اللغز والمخطط للكثير من العمليات الأمنية وخطف الطائرات. بعد انتقاله إلى دراسة الطب في الجامعة الأميركية وبعدما أصبح طبيباً مقيماً أعجبته ظاهرة ميشال عون في العام 1988 فأيّده وتردّد إلى قصر الشعب في بعبدا قبل أن يشعر بالأسى عليه في 13 تشرين. بعدها تعرّف إلى رفيق الحريري وكان عمل في الولايات المتحدة الأميركية وظهر عنده التحوّل من اليسار المتشدّد إلى الليبرالية الإجتماعية. أعجبه الحريري الذي أتى إلى لبنان من ضمن مشروع إقليمي ودولي كبير. في هذه الحلقة يتحدث الدكتور علوش عن علاقته مع الرئيس رفيق الحريري وعن اغتياله وعن اختيار الرئيس سعد الحريري ليكمل مسيرة والده و»تيار المستقبل».
أين كنت في 7 أيار 2008؟
– عندما حصلت عملية 7 أيار كنت في الأوتيل. لم أسافر. بقيت 7 أيام في أبو ظبي مع عدد من النواب طلباً للحماية الشخصية بعد تكرار عمليات الإغتيال ثم طلبت أن أعود. اتصل بي وسام الحسن وكنت في غرفة العمليات في أيلول 2007. قال لي: أنت وين؟ قلت: في غرفة العمليات. قال: لا تتحرّك. هناك سيارة مفخّخة مرصودة لك وسيارة ثانية لم نعرف وجهتها. سألته: شو بعمل؟ قال: خلّيك مطرحك ونحن ننقلك. أنهيت العملية وكنت قلقاً. كنت أذهب بعد العمليات للعب كرة السلة فلم أذهب. بقيت في العيادة ثم توجهت سيراً إلى المنزل وبعد وصولي حصل اغتيال النائب أنطوان غانم فعرفنا عندها وجهة السيارة الثانية. في اليوم التالي ذهبت إلى الأوتيل. كنت أخرج ليلاً وانقطعت عن ممارسة الطبّ. كان ابني في الجامعة وعلينا مصاريف. فقررت العودة إلى العمل. اتصل بي سعد الحريري وقال لي: أنت رأس حربة في تيار «المستقبل» ومعرّض للخطر أكثر من غيرك. قلت له: صحيح ولكنني بحاجة إلى العمل. قال: سنؤمّن لك ذلك. بالفعل أمنوا دعماً لكل النواب.
في هجوم «حزب الله» على الرئيس سعد الحريري و»تيار المستقبل» في بيروت في 7 أيار 2008 قلت لن أبقى في الأوتيل تحت الحصار. ركبت سيارة مموهة وانتقلت إلى طرابلس. بقينا مدة في أوتيل فينيسيا ثم في أوتيل لاهويا. ذهبت والتقيت سمير جعجع وبحثنا في الوضع وما يمكن أن نفعله بعد 7 ايار. ونقلت بعد ذلك أجواء اللقاء إلى سعد الحريري. قلت له أنني ما عدت أريد أن اشتغل في الطب وعلينا أن نواجه «حزب الله». صارت هناك تعبئة سنيّة ضدّ «الحزب». طلب مناقشة الفكرة. ذهب إلى السعودية وعاد طالباً غضّ النظر عن الموضوع على أساس أنّ هناك تفاهماً سيحصل مع بشار الأسد. أعتقد أنه كان هناك تفاهم بين فرنسا والسعودية على هذا الأمر بعد اتفاق الدوحة. عام 2010 عرفت بهذا الأمر من وسام الحسن. كنت أهاجم النظام السوري باستمرار.
لماذا لم تترشح في انتخابات 2009؟
– بدأ الحديث داخل «تيار المستقبل» عن أنّ أحمد فتفت ومصطفى علوش لا يفترض أن يترشّحا للإنتخابات سنة 2009. وصلني خبر من فريد مكاري أنّ هناك تعليمات بإزاحة الأصوات العالية في هذه المرحلة. سمير فرنجية. فارس سعيد. أحمد فتفت. مصطفى علوش… لم أصدّق. لم أترشّح وسقط سعَيد وفرنجية. كان سبق والتقيت الرئيس سعد الحريري وقال لي «حضّر حالك للإنتخابات». في هذا الوقت بدأ الحديث عن أن نجيب ميقاتي سيترشّح وبدأت الأمور تختلط. قبل شهرين من الإنتخابات سألت الحريري: قبل أن أتورّط في الإنتخابات هل أكمل في الحملة أم لا؟ وكنت أصرف من مدخولي على هذه الحملة. قال لي: «كمِّل بس في احتمال نرجع نسحبك». قلت له: لا. لن أكمِّل إذا. قال: لماذا؟ قلت له: شيخ سعد أنا مستعدّ أن أكون بواباً في «تيار المستقبل» بس كون عارف حالي. ولكن لن أترشّح وأنسحب. قال: شو منعمل؟ قلت: أخرج من عندك وأصرح أنني أنسحب من الإنتخابات وأبقى مناضلاً في «تيار المستقبل». وهذا ما حصل وعدت إلى عملي.
ماذا حصل بعد الإنتخابات؟
– بعد الإنتخابات وحصول «تيار المستقبل» على كتلة من 33 نائباً اتصل بي هاني حمود وقال: أنا مع الرئيس سعد الحريري وهو يقترح أن تكون أمين عام «تيار المستقبل». قلت له: هذا شرف كبير لي. قال: هناك لجنة خماسية ستقودها وتديرها. مرّت فترة ولم يتّصل بي أحد. اتّصلت وسألت. قالوا لي إنهم يحضرون الموضوع وأحمد الحريري أمين عام والأعضاء أنت وسمير ضومط و… لم تعجبني القصة وقلت: «ما عندي وقت. خلّي أحمد الحريري يستلم». اشتغلنا معه وبقيت أهاجم النظام السوري وصار الرئيس سعد الحريري يطلب مني وقف الهجوم بعدما كان التقى بشار الأسد.
بعد الإنتخابات كنا اجتمعنا لنبحث في من يجب أن يتولى رئاسة الحكومة. كنت الوحيد الذي طلب أن يكون فؤاد السنيورة. وقلت للرئيس الحريري أنه من الأفضل له أن يبقى متفرغاً لإدارة العمل الحزبي في «التيار». قامت القيامة عليّ. السيدة بهية الحريري قالت: هذا الكلام غير مقبول. سعد لازم يكون رئيس الحكومة. وهو كان مصرّاً أيضاً على هذا الأمر وصار رئيساً للحكومة.
ما كان موقفك من مرحلة اللقاء بين الحريري والأسد؟
– كنا مجتمعين مرّة وكان صار الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط. قلت له: «كيف لك قلب تؤمّن لواحد كذّاب؟» قال: مين يعني؟ قلت: بشّار الأسد. سألني: حكي معك وسام؟ قلت: لا. قال: سيتّصل بك. وصلت إلى البيت واتّصل وسام الحسن. قال: فيك تجي لعندي؟ رحت. شرح لي أن هناك تفاهماً سنياً علوياً لمواجهة التمدد الشيعي والملك عبدالله متّفق مع بشّار الأسد وأن بشّار قال للملك إنه لا يستطيع في هذه المرحلة التخلص من الهيمنة الإيرانية على الجيش السوري وهناك آلاف الضباط يتلقّون مساعدات من إيران وإذا قام باي عمل فسيغتالونه كما تمّ اغتيال أنور السادات. وإنه طلب استثمارات في سوريا ليتمكّن من الخروج من تحت السيطرة الإيرانية. وطلب مني أن أسكت «أحسن ما يقتلوني» لأن هناك تهديداً بذلك من النظام السوري.
قلت له: طيب شو بعمل؟ قال ابنك في أميركا وأخواتك في فرنسا إذهب لعندهم فترة من الوقت حتى ينسوك. قلت له: إذا رحت مين بدّو يصرف عليّي؟ قال: روح اشتغل وما تطلع عالإعلام ورح نشدِّد الحماية عليك. في هذا الجو عدت إلى العمل في طرابلس. وما حدا سأل عني حتى طلعت عالإعلام بمقابلة مع وليد عبود وفشّيت خلقي. بعد أسبوعين صار الإنقلاب على الرئيس سعد الحريري. كنا في لقاء معه بعد ذلك وقال إنه عاد إلى جذوره. وصفّقوا له. كنت في صف خلفي ولم أصفّق. سأل: وين مصطفى؟ شو رأيك؟ قلت له لو سمعت مني من سنتين ما كنا وصلنا لهون. عندما ذهب للقاء بشّار الأسد قلت له إنه يحبط قوى 14 آذار وسنّة لبنان. قال: «ما حدا يزايد عليّي منكم. أنا حطَّيت إيدي بإيد اللي قتل بيي ونحن متروكون لحالنا وأنتو عم يغتالوكم».
هل طرح اسمك لتكون وزيراً بعد هذه المرحلة؟
– رجعنا مشينا بالتيار وطلب مني الرئيس سعد الحريري أن أكون رئيس التيار في طرابلس. عندما بدات الأحداث في سوريا كنت في مقابلة تلفزيونية وقلت إنني مع الحرية في سوريا ومع الديمقراطية. سئلت عن وضع المرأة في السعودية وتعرّضها للجلد بسبب قيادة السيارة مثلا. قلت إن اي حكم يتصرّف مع المرأة بهذه الطريقة هو حكم فاشل وأي حكم يبقى أسير المطاوعين سيصل إلى نهايته. «قامت القيامة عليّ». اتّصل بي سعد الحريري وسألني: أنت قلت شي ضدّ السعودية؟ قلت له بالعكس. أنا قلت إنه إذا كانت السعودية تريد أن تتطلّع إلى مرحلة جديدة لازم تتخلّص من هالمسائل. حاولوا إقناعي بالإعتذار فرفضت. اتفقنا أن أقابل السفير السعودي علي عوض العسيري. قابلته في السفارة وكان أحمد الحريري. قلت له إن ما قلته في المقابلة لا يمثل «تيار المستقبل» وأنا مسؤول عنه. وسافرت بعد ذلك.
عام 2013 بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتكليف تمام سلام تشكيل الحكومة الجديدة كان مطروحاً أن يحصل «تيار المستقبل» على عدد من الوزراء. اتصل بي سعد الحريري من السعودية وكان قد ألقى خطابا متلفزاً في ذكرى 14 شباط. سألني: شو رأيك باللي صار؟ قلت له: كان خطاباً ممتازاً. قال إنه يقصد قصّة الوزارة. سألت شو المطلوب؟ قال: اللواء أشرف ريفي يرفض وزارة الشؤون الإجتماعية. قلت له: غلطان. قال: إنه يريد وزارة الداخلية والسعوديون يريدون إعطاءها لنهاد المشنوق. «شو رأيك تاخد وزارة الشؤون وبتكون وزارة العدل لرشيد درباس». قلت له: وأشرف؟ قال: بيطلع برّا. قلت له: خلّينا ندرسها بوضوح. إذا أنا ما عملت وزير أبقى معك. إذا أشرف ما عمل وزير رح يقولوا الناس أنك تخاذلت أمام «حزب الله» لأنّه يرفض توزيره. قال: شو منعمل؟ قلت: لماذا لا يكون وزيراً للعدل؟ قال: ورشيد درباس؟ قلت: بيقبل بوزارة ثانية. قال: هيدي أول مرة حدا بيرفض وزارة. قلت: دولة الرئيس أنا عم فكِّر معك حتى تضلّ ماسك الأمور. قال: أنت ترفض الوزارة؟ قلت له: عم قلّك اللي لازم يصير مش عم أرفض وزارة.
كيف اتخذ الحريري خيار تأييد ترشيح العماد عون؟
– كنت ضد ترشيح سليمان فرنجية وميشال عون. بقيت ساعتين عند سمير جعجع. طلب مني إقناع الرئيس سعد الحريري بتأييد انتخاب عون على أساس أنه لا يوجد إلا هذا المخرج وأطلعني على تفاهم معراب غير السري وقال لي إننا نكون معا لتشكيل قوة ضغط على عون. سألته: أنت متأكد من هذا الأمر؟ قال: متأكد. ذهبت إلى السعودية وقابلت الرئيس سعد الحريري ونقلت له ما قاله لي جعجع. قال لي: سألت مرة الحكيم إذا كان يضمن ميشال عون فقال لي إنّو ألله ما بيضمن ميشال عون. كيف بدّي أقبل فيه؟ ولكن بعدها أخذ المبادرة بعد اتصالات ونصائح تلقّاها ومفادها «إنو أنت عمول العلاقة مع ميشال عون ليش تعملها عن طريق سمير جعجع». وبدأت اللقاءات بين نادر الحريري وجبران باسيل. وركب الإتفاق الـ(deal). وعاد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان وأخذ هذا الخيار.
يتبع الجزء الأخير:
أنا والرئيس سعد الحريري:
حاكيتو ما ردّ
الخروج من المستقبل وانتخابات 2022
(الأربعاء 16 تشرين الثاني)