جيد أن تصل الحرب العالمية على «داعش» إلى الموصل أخيراً. وأن تكون المعركة فيها محطة فاصلة في الطريق إلى «القضاء» على هذا التنظيم (الأحجية) الذي لن يتبقى لديه سوى الرقّة السورية كعنوان جغرافي ووظيفي!
لكن السيئ هو تزايد المؤشرات الدالة على أن توقيت المعركة يتوافق مع ذروة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحاجة إدارة مستر أوباما إلى حدث انتصاري يتمم فضائح ترامب، ويسحب من يده ورقة اتهامها بارتكاب ما يكفي من أخطاء أثمرت هذا النمط الجديد والمتقدم من الإرهاب من جهة، وأن يقدم للناخب الأميركي مادة تعينه على حسم خياره من جهة ثانية. وهو (الناخب) الذي تطربه في كل حال، الخبريات الحاكية عن مدى طول الذراع العسكرية الأميركية، ومدى قدرتها على الوصول إلى «العدو» أينما كان و«استئصاله من جذوره وجحوره»!
والسيئ أيضاً في موازاة ذلك هو تزايد المؤشرات الدالة على أن الصخب الأميركي الاستثنائي إزاء «الجرائم ضد الإنسانية» التي يرتكبها الروس في حلب الشرقية، يترافق بدوره مع مناخات تلك الانتخابات الرئاسية، أكثر من كونه وليد حسابات وحكايات سياسية تكتيكية واستراتيجية وأخلاقية!
ولا بأس من الظن الفطن بأن واشنطن القادرة على تحديد ساعة الصفر لانطلاق معركة الموصل و«تقسيطها» على مدى الأسابيع الفاصلة عن يوم الانتخابات الرئاسية، أطلقت تلك الحملة السياسية والديبلوماسية والإعلامية في وجه الإجرام الروسي، لأنها، وبكل وضوح ممكن، لا تريد لفلاديمير بوتين أن يُسقط ورقة حلب في صندوق ترامب الانتخابي! وأن يدلّل من خلال حسم الوضع في المدينة السورية المنكوبة، على مدى الخلل في السياسة الانكفائية الأوبامية التي في خلاصتها لم تستطع شيئاً: لا ضرب «الإرهاب»، ولا منع الروس والإيرانيين من ارتكاب فظاعات في حق البشرية! ولا حجب تداعيات هذه النكبة في مجملها، لا عن الجوار الجغرافي القريب، ولا عن الأوروبيين على حد سواء.
وفي التكتيك الأوبامي مفارقة لافتة: السلف الجمهوري المقاتل بالفطرة جورج دبليو بوش ذهب إلى حرب شاملة في أفغانستان، لكنه لم يتمكن من رأس الإرهاب القاعدي أسامة بن لادن ولا من نائبه أيمن الظواهري! فيما يمكن الديموقراطي الحائز على جائزة نوبل للسلام، أي مستر أوباما نفسه، أن يتفاخر بأنه قتل زعيم «القاعدة» في 2 أيار 2011 في باكستان وعطّل بمعية الإيرانيين، حركة الظواهري وصولاً إلى شلّها تماماً!
هذه أولى. أما الثانية، فهي أن الإدارة الجمهورية السابقة حطمت العراق وفتحت الباب أمام انتعاش نمط متقدم من الإرهاب اسمه الحركي تنظيم «داعش»، في حين أن إدارة أوباما هي التي أظهرت قدرة على شطف مخلّفات بوش هذه.. وفي الموصل عاصمة ذلك الـ«داعش» تحديداً.
في هذه الحسابات، تغيب مدينة الرقة السورية عن المشهد العملياتي والإعلامي تماماً بتاتاً! بل الأنكى والأغرب هو أنها ستصير الملجأ لكل الداعشيين الهاربين من الموصل، مثلما كانت الملجأ للذين خرجوا من تدمر ثم من منبج، وبقوافل سيارة وعلى طرقات مكشوفة من دون أن تتمكن طائرة واحدة، لا روسية ولا أميركية من رصدها أو استهدافها!
وظيفة «داعش» في العراق انتهت، لكنها في سوريا شغّالة.. على أمل أن لا يطول انتظار انتهائها حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة!