IMLebanon

«أم المطاحن»!

بغضّ النظر عن القدرة (من عدمها) على فكّ طلاسم السياسة الأوبامية إزاء سوريا، وبغضّ النظر عن الاستعراض العسكري الروسي، وكل الارتباك الضارب حتى النخاع في طول المجتمع السياسي الدولي وعرضه.. وبغضّ النظر عن تطورات الوضع الميداني في «القطر الشقيق» ومواقف قوى المعارضة الواضحة والحاسمة في رفض أي دور لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وفي المرحلة الدائمة، وفي مستقبل سوريا في العموم.. بغضّ النظر عن ذلك كله، فإن بشار الأسد نفسه لا يصدّق (ولا يحتمل) كل المواقف الهمروجية الفالتة راهناً، في شأنه وشأن «أدواره» المفترضة!

وحده الأسد، أكثر من أي معني آخر بالنكبة في هذه الدنيا، يعرف تماماً انه لم يعد له حول ولا قوة، وأنه يُستخدم كورقة في حسابات من سلّمهم رقبته، من إيران «المرشد» إلى روسيا «القيصر»، وأنه غير قادر بالمعنى العسكري والبشري (خصوصاً) على القيام بما يدعيه هؤلاء من أدوار له.. بل إنه لم يعد قادراً على الخروج من قوقعته في داخل القلعة التي يتحصن فيها في دمشق، بل تراه، على وتيرة طغاة التاريخ «الأفذاذ» يحسب ألف حساب لانتقاله من غرفة النوم الى غرفة الطعام!

وحده بشار الأسد، يعرف أكثر من كل «حلفائه» و«أصدقائه»، أنه انتهى وصار من الماضي. وأن معضلته أكبر من أي إمكانية للترقيع. وأن سلطاته التي تبخّرت لا يمكن لأحد أن يعيدها إليه. وأن وظائف نظامه راحت باتجاه لا عودة منه.. وأنه في المحصلة يطلب المدد للدفاع عن حاله وعن حاشيته وعن ملجأه بين «أهله» في الشمال، ولا يطلب ذلك المدد من أجل استرجاع ما فات وإعادة إحياء ما مات!

حجم التهويل المرافق للاستعراض الروسي لا يتناسب مع تلك الوقائع التي يراها الجميع في الداخل السوري وخارجه، ولا يتناسب سوى مع الاستخدامات الجارية للنكبة السورية في مواضع جزئية منها، وفي مواضع خارجة عنها.. كأن يكتشف بوتين، بعد أربع سنوات و6 أشهر، «الأهمية الاستثنائية» لتلك الورقة في حربه الجارية في أوكرانيا ومن خلالها مع الغربيين والأميركيين، ومع العقوبات التي أنزلوها بروسيا غداة دعمها الانفصاليين الأوكرانيين ثم ضم القرم وهضمها!

أو كأن تكتشف طهران، بعد كل هذه الويلات والمصائب والبلايا والفتن، أن دور روسيا في سوريا لا بد منه! وأنه «حاسم» في «محاربة الإرهاب» وفي منع تفلّت سوريا باتجاه سيطرة «القوى المعادية للمقاومة عليها»! وفي رفد القوى الجهادية التي تحمي «المقدسات» وتمنع «التكفيريين» من التعرض لها!

يعرف بشار الأسد مثلما يعرف ضاربو الطبول الاستعراضية الممانعة، أن اربع سنوات ونصف السنة لم توقف مسلسل انهيارات سلطته، ولم تُرجع عقارب الساعة إلى الخلف، بل العكس تماماً. وأن عجزه تمدد باتجاه حلفائه الإيرانيين وصولاً بالطرفين الى الاستعانة بـ«الصديق الروسي» الذي سيكتشف بدوره، لاحقاً، وبأثمان كارثية (على السوريين الأحرار أساساً)، أنه مثيل الاثنين في العجز، إن لم يكن أكثر!

نكبة سوريا، أمّ النكبات، لكنها في الوقت ذاته، مطحنة دموية بكل معنى الكلمة، بل هي «أم المطاحن».. ويعرف ذلك كل من دخل فيها!