معركة حلب هي أم المعارك. تريدها روسيا وإيران والنظام السوري معركة الحسم العسكري للنزاع في سوريا، فيما تشكو المعارضة من ضيق خياراتها وضعف إمكاناتها.
تمَّ التحضير لهذه المعركة على مدى أشهر. ويجري التنفيذ على مراحل: قضم الريف، تطويق حلب ومحاصرة المقاتلين المعارضين، ودكّهم جواً وبراً وتجويعهم، ودفعهم الى اليأس والقبول بالخروج من المدينة.
الضربات الجوية الروسية المدمِّرة لم تكن وحدها الحاسمة في كسر خطوط دفاع المسلحين في ريف حلب. كانت هناك كمّيات هائلة من الإمدادات. شحنات كبيرة من الدبابات الروسية ت 90 وسترات واقية ومعدّات رؤية ليليّة، ومستشارون عسكريّون روس وإيرانيّون و«الحزب» وأعداد كبيرة من ميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية، حسب مصادر إستخبارية غربية.
في كل حال، تقترب روسيا من تحقيق أهداف تدخّلها العسكري في سوريا وضمان مصالحها الإستراتيجية:
أولاً: منعت إنهيار النظام السوري، ومكَّنته من استعادة زمام المبادرة ومعاودة شنّ الهجمات على معاقل المسلحين.
ثانياً: حمَت الساحل السوري الذي كان مُهدَّداً بالسقوط، وأمَّنت بقاء قاعدتها البحرية في طرطوس، وأضافت اليها قاعدة جوّية في اللاذقية.
ثالثاً: دفعت المسلحين بعيداً من المدن والمواقع الإستراتيجية، من ريف اللاذقية الى حمص وحماه وريف حلب، بعدما كبَّدتهم خسائر فادحة.
رابعاً: توشك روسيا على إقفال الحدود التركية مع سوريا، بما يَقطع كل طرق الإمداد عن المعارضين، ويُقوِّض الدور التركي في النزاع السوري. في المقابل تسرح «داعش» وتمرح.
خامساً: أجبرت موسكو الأميركيّين على فكّ العزلة عنها، والإعتراف بدورها كقوة عظمى لها مصالح في الشرق الأوسط.
في ضوء التطورات الدراماتيكية الأخيرة، يرى دبلوماسيون غربيون أنه بات من الصعب التوصّل الى حل سياسي للحرب في سوريا، بعدما استعاد النظام الزخم على الأرض، وأن روسيا تزداد تصلُّباً في موقفها.
وبالتالي، فإن ما يحصل لا يُبشِّر بجولة جديدة من المفاوضات المثمرة في جنيف. وليس هناك ما يشير الى تحقيق السلام في سوريا في المدى القريب. لا بل إنّ المعارك العسكرية ستستمر في تحديد قواعد اللعبة أكثر من طاولة المفاوضات، على الأقل في الوقت الراهن.
في المقابل، لا تملك المعارضة خيارات كثيرة، وهي طلبت تزويدها من بعض داعميها الإقليميّين صواريخ متطوّرة ضدّ الطائرات للتصدّي للمقاتلات الروسية، لكن تبيَّن لها أن هناك رفضاً أميركياً قاطعاً لمثل هذا الخيار.
أمّا استعدادات بعض الدول لإرسال قوات برّية ضمن التحالف الدولي، فهي لقتال «داعش» في سوريا، وليس لنصرة المعارضة السورية أو تهديد النظام المحمي من روسيا. ولن يكون هذا التدخّل البرّي إلّا بموافقة أميركية.
تتضح الصورة أكثر فأكثر. لقد فُتحت الطريق أمام تقسيم سوريا الى ثلاث دول: واحدة يسيطر عليها النظام من درعا جنوباً الى حلب شمالاً والساحل غرباً، وثانية للأكراد على الحدود الشمالية، وثالثة للسنّة في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» اليوم، من حلب الى الحدود العراقية.
يعتقد حلفاء النظام أن الحسم بات على الأبواب، فيما يعترف المعارضون بالخسارات الدراماتيكية المتتالية. لكن الأكيد أن القتال ما زال طويلاً.