الرمادي ليست الانتكاسة الوحيدة لـ”استراتيجية” الرئيس باراك أوباما ذات الهدف الفضفاض والرامي الى اضعاف “الدولة الاسلامية” ثم تدميرها. سقوطها ليس الا تتويجا لعمليات القضم التي يقوم بها التنظيم في وسط العراق وفي شمال سوريا، ودليلاً قوياً على هشاشة خطة يتطلب تحقيقها أكثر من مجرد معركة تدار بالريموت كونترول وعبر وسطاء قد تساوي أطماعهم في العراق وسوريا أهداف “داعش” ومخططاتها المذهبية الجهنمية.
سقوط عاصمة الانبار السنية الواقعة على مسافة 130 كيلومتراً من بغداد يقوض أساس الخطة ويطيح شعارها “العراق أولا” الذي رفعته واشنطن منذ اجتاح التنظيم الموصل الصيف الماضي وأعلن دولة الخلافة العابرة للحدود. أما قتل “أبوسياف” واعتقال “أم سياف” الكنز الثمين، في عملية الكوماندوس الاميركية في دير الزور، فهما لا يعوضان الخطة الاميركية ولا يمنحانها صدقية.
أربعة الاف غارة للائتلاف الدولي، أكثر من نصفها على العراق، وأكثر من ثلاثة الاف جندي ومستشار أميركي في هذا البلد ومليارات الدولارات، لم تستطع تجنيب الجيش العراقي اذلالاً جديداً. المشهد نفسه الذي حصل في حزيران الماضي في الموصل تكرر في عطلة نهاية الاسبوع الماضي في الرمادي. وفيما تريثت واشنطن في الاقرار بالهزيمة، سارع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى دعوة “الحشد الشعبي” الى التدخل. الملاذ الأخير لبغداد لوقف الغزو الداعشي، يشكل سلاحا ذا حدين، وخصوصا في ظل التأُثير المحدود لسلطة بغداد على هذه الميليشيات الشيعية.
خلال تحرير تكريت، أدى “الحشد الشعبي” بقيادة ايرانية مباشرة دوراً حاسماً في طرد “داعش” من المدينة، الا أن التقارير عن انتهاكات طائفية في المنطقة أثارت حساسيات كبيرة حياله.ويُعتقد على نطاق واسع أن الحساسيات، الى عوامل أخرى، كانت سببا رئيسياً لارجاء عملية تحرير الموصل.
والاستنجاد هذه المرة بـ”الحشد الشعبي” لتحرير الانبار تحديداً ينطوي على أخطار أكبر. فالى كونه يزيد الاتهامات للحكومة العراقية بالتخلي عن المجموعات السنية المقاتلة في صفوفها، فهو سيترافق حتماً مع انتهاكات مذهبية وربما حمام دم. فالميليشيات الشيعية الحاصلة على ضوء اخضر من بغداد وأميركا لن تدخر جهداً لبسط سيطرتها على الانبار التي تعتبرها مفتاحاً محوريا لتأمين بغداد والمحافظات الجنوبية. هذا اضافة طبعاً الى أن هذه المحافظة ستوفر لأسيادها موطئا في كبرى محافظات العراق والتي لها حدود مع سوريا والاردن والسعودية.
في الرمادي، سجلت “داعش” هدفين بضربة واحدة. أسقطت القناع عن الاصلاحات الموعودة للعبادي ببناء قوة مختلطة وتشكيلات مقاتلة من ابناء العشائر السنية لمواجهة “داعش”، وقوضت ما تبقى من صدقية “عملية العزم الصلب”. وبالتأكيد ليس اعتقال “أم سياف” هو الذي سيرد الاعتبار الى اصلاحات العبادي أو الى استراتيجية أوباما.