للمرّة الثالثة على التوالي يَحلّ عيد الأم، وأمّهات العسكريين المخطوفين لدى «داعش» يناجين صوَر أبنائهن من دون أيّ جواب يُثلج صدورَهنّ. أكثر من ألف ليلة مرّت والدمعة رفيقتهن الدائمة، وجُلّ ما يطلبنَه في هذا العيد عبر «الجمهورية» لمحُ طيفِ أولادهنّ… «بَس إلمح خيالو!». في موازاة ذلك يستعدّ الأهالي لزيارتين رسميتين إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقائد الجيش العماد جوزف عون.
حيال التصعيد المطلبي الشعبي واستحواذ السلسلة وقانون الانتخابات على كامل اهتمام المعنيين، يَحار أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» كيف يُبقون ملفّ أبنائهم في الواجهة.
«دواليب أحرَقنا»، «طرقات قطعنا»، «زيارات للسفارات نفّذنا»، «المعنيين قصَدنا»، تُعدّد زهور الحمد والدةُ الجندي المخطوف عبد الرحيم دياب (1987)، فتسأل من قلب محروق: «ماذا بعد؟ من أين نأتي بطول البال وحسن الانتظار؟ كنّا نعيش بأمان الله، وكنتُ أبحث عن عروس لابني، وإذ بي أبحث عنه ولا أعرف ما إذا كان حيّاً».
وتقول لـ«الجمهورية»: «في ليلةٍ ظلماء خسرتُه وطار الحلم من يدي، لعبد الرحيم شقيقان و3 شقيقات ولكن لا أحد مِثله، بطبعِه، بكرمه ودفئه. بعدما خسرتُ زوجي شكّلَ عبد الرحيم السند الرئيس في المنزل، لذا باتت تمرّ الدقيقة علينا دهراً».
وتستذكر زهور كيف كان ابنها يُمطرها بالهدايا في عيد الأمّ: «لم يوفّر أيَّ هدية لإسعادي؛ من ساعة يد إلى مجوهرات، وغيرها من الهدايا، وكأنّ العالم رغم اتّساعه يضيق بفرحته وبحبّه لي».
حالُ زهور كحال بقيّة الأمّهات اللواتي ما عدنَ يعرفنَ الأعياد من بعضها، فتقول: «لا معنى للعيد، لا بل نَسينا الفرحة منذ أن غاب طيف ابني عن المنزل، هذه المرارة لا يمكن لأحد أن يشعر بها إلّا الأمّ التي عانت الخطف وتألّمت من أعماق أحشائها». وتضيف: «نسمع بأنّ المعنيين يقومون بواجبهم في متابعة الملف، ولكن لم نلمس شيئاً جديداً يُطمئننا».
ومن زهور رسالة إلى ابنها: «لا أقوى على العيش من دونك يا عمري».
«الانتظار يقتلنا»
«لم أودّعه، لم أقبِّله، لم أغمره»، تقول وداد، والدةُ الجندي المخطوف علي الحج حسن (1990) من قلبٍ محروق لـ«الجمهورية» وبنبرة متهدّجة.
يصعب على هذه الأمّ حبسُ دموعها، هي التي اعتادت في مِثل هذا اليوم على حيَل ابنها، فتقول: «كان يتحجّج بأيّ شيء لأخرجَ من المنزل، وعند عودتي أجده زيّنَ الجدران ودعا الأقاربَ والمحبّين، فكانت الفرحة تغمر قلبي». وتضيف: «كيف عسانا نعيش وقلبُنا مفطور والانتظار ينهش أعصابَنا؟ ما عدنا نميّز الأعياد، فالليل طويل حالِك منذ أن غاب ابني عن المنزل».
بأسى تعيش وداد انتظارَ عودة ابنها: «الله يِفرجها على ابني والشباب، فهو العيد الثالث الذي يمرّ من دون أن نسمع معايدةً منهم أو نشعر فعلاً بميزة الأمومة». تصمت برهةً ثمّ تعود إلى ذاتها وتقول: «اشتقتلّك يا إبني، أدعو إلى الله أن يُعيدك سالماً ونحتفل معاً بعيد ميلادك، بعيد الأم وبكلّ الأعياد».
«لا طيّب ولا ميت»
لم يكن من السهل التحدّث مع آمنة، والدة الجندي المخطوف حسين عمار، التي تُخفي في ذاتها بركانَ حزنٍ ممزوجاً بالغضب: «أيّ كلام بعد والشباب منذ آب 2014 مخطوفون، لا نعرف ما إذا كانوا أحياء أو أموات!».
وتضيف: «لا أحد يلوم الأمّهات على غضبهنّ، فعقولنا مخطوفة منذ خُطف أولادنا، ما عدنا على قيد الحياة، نعيش مأسورات مشرّدات بين البيت والخيمة».
تعجز آمنة عن متابعة عبارتها، غلبَها شوقها إلى ابنها، فتقول: «إبني شاب مهذّب، مرتّب، خلوق، لا يمكن لأحد أن يملأ مكانَه، لا أعرف ما إذا كان حيّاً أو ميتاً، حتى إنّ شقيقاته وأشقَاءَه لا يتجرّأون على معايدتي في عيد الأم»، في نظري «خِلصت الأعياد، إلى حين عودته».
بين عين التينة واليرزة
رغم الخيبة التي تكتنف يوميّاتهم، يأبى أشقّاء العسكريين المخطوفين وأباؤهم الاستسلام، إذ يحرصون على إبقاء اتّصالاتهم في حركة مكوكية. في هذا الإطار يؤكّد حسين يوسف والد الجندي المخطوف محمد يوسف، أنّ هناك زيارتين رسميتين على نار حامية، فيقول لـ«الجمهورية»: «نحن في صَدد زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون، كونه أباً للعسكريين المخطوفين، سنُحمّله مسؤولية متابعة الملف، ونَحضُّه على المطالبة بالشباب وأن يسعى جاهداً لأيّ خبر عنهم وإعادتهم بأيّ شكل من الأشكال».
أمّا الزيارة الثانية، فيقول: «سبقَ والتقينا رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، وننتظر الآن الضوء الأخضر من عين التينة للقاء الرئيس نبيه برّي فتكتمل بذلك الحلقة، عسى بتضافرِ الجهود نصل إلى حلّ في الملف».