Site icon IMLebanon

حراك… ومن الحب ما قتل!

يذكّرنا شباب من الحراك المدني ببعض كوادر أو قيادات من القوى السياسية. يتقدمون في خطابهم بالطريقة ذاتها التي يخاطب بها الزعيم جمهوره، لكن بفارق أن المسؤول في قيادة سياسية أو من له موقع في طائفته يستطيع أن يستنفر عصبيات جمهوره ويحشد أنصاره بقضية أو بلا قضية. أما بعض شباب الحراك المدني فيخاطبون اللبنانيين خلال التظاهرات أو عبر وسائل الاعلام، بدعوتهم للنزول الى الشارع والانتفاض على السلطة السياسية والحكم، وكأنهم يمونون عليهم أو لديهم القدرة على تحريك الجمهور، لأنه جاهز برأيهم لسماع صوتهم وينتظر إشارة لمن يتقدم لقيادته. وسرعان ما يكتشف هؤلاء الشباب الذين يتوزعون على حملات مختلفة أن الجمهور اللبناني أو الجماهير لم تلب النداء، حتى أن المشاركين في التظاهرات، منذ 29 آب تراجع عددهم لأسباب لها علاقة بقيادة هذا النوع من الحراك، وتوصيف أهدافه وطريقة استقطابه للناس المتضررين من أداء القوى السياسية والحكم وملفات المحاصصة والفساد. لكنهم لا يكترثون، فيستمرون بالطريقة ذاتها غير مبالين للنقد. ويكفي أن يتنقل شباب الحراك أو ناشطيه المعروفين وغير المعروفين بين الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، يقدمون قراءات ويعرضون تصورات فيها الكثير من التسرع واستسهال الأمور، حتى ان بعضهم وصلوا الى حد التهريج وإظهار “البطون” و”نزع الملابس” تحدياً للطبقة السياسية والوزراء، لنكتشف حجم الأزمة في بنية الحراك وطريقة إدارته وعدم قدرته على الاستقطاب مجدداً، خصوصاً الفئات القادرة على الضغط والتحرك، لا سيما طلاب الجامعات. وندرك أن الحراك الذي انطلق عفوياً وربما غير مكتمل وتدرّج ليستقطب فئات مختلفة وحملات وشخصيات ومثقفين، هو ليس حركة نقابية لها جمهور محدد، وليس حركة طالبية تقود طلاب الجامعات، وهو ليس حزباً سياسياً ولا طائفة، لذا فإن جمهور الحراك المدني ليس قطاعاً محدداً ولا فئة، إما أن يكون في طور البناء عبر الاستقطاب على أسس واضحة، وإما تعود الأمور الى نقطة الصفر، لأن الجمعيات المدنية والجهود المنفردة، وحتى الحملات، التي يتناسل بعضها من بعض، لا يمكن أن تشكل قيادة للحراك، وليست جمهوره أيضاً. والحقيقة أنه لا يمكن للحراك أن يكون فاعلاً وقادراً على الاستقطاب، ما لم يخضع للنقد ويقبل به، وما لم يكن شبابه على مستوى من التواصل والانفتاح وتقبل النقد، يصبح الأمر وكأنه مغامرة بعناوين مطلبية، فيصبح التلاعب بالحراك سهلاً، ووفق ما يقدم الشباب أنفسهم للناس وللرأي العام، جرى إشغالهم عند القضاء، فنسوا الملفات الأساسية التي شكلت راية تحركهم وفي مقدمها الفساد والنفايات. فصورة الحراك وشبابه، ليست مقدسة ولا يمكن أن تكون فوق النقد والتشكيك، وليس حب الحراك والحماسة هما ما يحميانه، بل أحياناً الأقرب لقتله!