IMLebanon

حراك المجتمع المدني : اعادة ترتيب الأولويات

ليس ما حدث في ساحة رياض الصلح سوى بانوراما لحال لبنان: مجتمع مدني نزل الى الشارع سلمياً للمطالبة بحقوق المواطنين، لا حصص أية طائفة أو زعامة، وباستقالة حكومة فاشلة وحل مجلس نيابي فاقد للشرعية وصولاً الى اسقاط النظام الطائفي. مجتمع سياسي ضد أن يكون الشارع للشعب، فيرسل الى التظاهرة مندسين يمارسون الشغب والتخريب لتشويه التظاهرة والمتظاهرين وتوظيف ذلك في خدمة أهداف فئوية. قوى أمن متوترة تمارس العنف المفرط بخراطيم المياه والرصاص المطاطي والرصاص الحي ضد الجميع رداً على استفزاز المشاغبين لها. ومسؤولون مقصرون، متصارعون على الحصص، يمارس بعضهم غطرسة القوة وبعضهم الآخر غطرسة الضعف، وباقون على الكراسي

لكن حراك المجتمع المدني مستمر بما يتجاوز بالطبع حملة طلعت ريحتكم. وهو في حاجة الى اعادة ترتيب الأولويات وضبط التحرك في الشارع. فمن يطالب باستقالة الحكومة في غياب رئيس للجمهورية هو ممر إلزامي لتأليف حكومة جديدة، يعرف أن الحكومة الفاشلة والمقصرة هي أيضاً ممر إلزامي لحل أزمة النفايات وسواها. ومن يريد انتخاب مجلس نيابي جديد على أساس قانون النسبية خارج القيد الطائفي، يعرف أن هذا المجلس الممدد لنفسه هو ممر إلزامي لإقرار قانون الانتخاب. ومن يرفع سقف المطالب الى مستوى هيئة تأسيسية لاعادة صوغ الدستور، عليه أن يسأل أولاً: من يؤلف الهيئة وممن تتألف؟ من نشطاء المجتمع المدني وأساتذة الدستور والقانون أم من أهل المذاهب والمنافع الدائرين حول ملوك الطوائف؟ وعليه ان يتصور ثانياً كيف سيكون المجلس التأسيسي الذي يدعو اليه البعض، ويعرف الجميع ان من يقرر فيه هو الطرف القوي.

قمة المأساة ان هذا النظام الطائفي المفلس والذي لم تعد حتى ادارته ممكنة، بحيث صرنا في حاجة الى سنة لتأليف حكومة يصبح العمل فيها مثل قلع الأضراس، هو أقوى نظام في المنطقة. أقوى من اللبنانيين. أقوى من الحروب. ومتعدد الوظائف بالنسبة الى القوى الاقليمية والدولية.

ولا بأس في ان نحلم بأننا في بداية ثورة من سلسلة ثورات الربيع العربي. لكن تلك الثورات التي بدأت بحراك المجتمع المدني وشعار: خذ، حرية، كرامة ودولة مدنية، سرقتها قوى الثورة المضادة لتقيم اما دولة أمنية واما دولة دينية. أما في بيروت فان خطف الحراك بدأ من اليوم الأول، مع معرفة الخاطفين ان الثورات في لبنان مهمة مستحيلة.

والمفارقة ان المعارك على السلطة تدار من الجميع باستخدام سلاح الدستور والميثاق والقانون، مع ان المعطّل الأول حالياً هو هذا الثلاثي المهم المتروك تفسيره لكل من هبّ ودبّ