فعلتها النفايات. حرّكت روائحها الكريهة كل البلد، وكأن الناس كانوا ينتظرون من يدفعهم الى إشهار موقفهم وإعلاء صوتهم. وطغت على ملفات أساسية، وكأن الكيل قد طفح لدى اللبنانيين أمام استقالة الحكومة عن القيام بمهماتها وواجباتها أيضاً. انعكس هذا الواقع اعتراضاً شبابياً في الشارع، طالب بمكافحة الفساد وإسقاط الحكومة، وسجلت مواقف نقابية خجولة ظهرت في مؤتمر نقابي وبيانات من دون أن ترقى الى مستوى الحدث الذي يعني كل اللبنانيين، على الرغم من أنه ليس موضوعاً مطلبياً بالمعنى الذي تتحرك على أساسه النقابات، لكنه في الحصيلة يدرج تحت هذه الخانة، انطلاقاً من أن معالجة ملف النفايات هو المدخل لمواجهة قضايا أخرى، تعني النقابات والناس لناحية الاستقرار والمعيشة والحياة الكريمة.
قبل التحرك، الذي لم يستطع الشباب بلورة موقف واضح يبنى عليه، وبدا وفق ما حصل الأحد انه أكبر من قيادته، لبناء حركة شبابية اعتراضية ضد نهج الفساد، كان عقد مؤتمر نقابي دعت اليه هيئة التنسيق النقابية في الأونيسكو، لمناقشة المشكلات الاجتماعية والمعيشية، وتطرق الى ملف النفايات. ولعل ما يمكن تسجيله أن هيئة التنسيق، بدلاً من أن تستقطب نقابات وشخصيات، ترقى معها الى بناء حركة نقابية تعليمية ومهنية واجتماعية، لمواجهة أشكال الفساد وتطوير التعليم كمقدمة لنيل الحقوق، التحقت هي نفسها بالخطاب الرمادي، الذي يرى العمل النقابي مجرد زيادة رواتب، من دون أن يكون لديها برنامج يخاطب القاعدة النقابية والشبابية على اسس واضحة وجدوى وحسابات. فكيف بهيئة نقابية غير قادرة على أخذ قرار واضح وحاسم في قضايا تعنيها، أن تتصدى لموضوعات على مستوى البلد؟
ونسأل هيئة التنسيق والنقابات كلها أيضاً، أليست معنية بالأمور التي تفتك بالبلد؟ فالملفات التي حرّكت نواة شبابية، لم تحفز النقابات على إعلان موقف منها أو بصددها، وهي ملفات تعني الأمور المعيشية والحياتية للبنانيين ومستقبلهم. لذا باتت النقابات التي يعول عليها عادة مجرد “كليشيهات” بلا تمثيل، وتابعة لأطراف سياسيين يقررون متى يحين وقت تحركها أو رفع صوتها سياسياً قبل أن تصوغ بياناً أو تعلن موقفاً. ولا يعني الكلام أن المطلوب من هيئة التنسيق أو من النقابات أو من الحركة الطالبية أن تتحرك لتغيير النظام، انما أن تكون منسجمة مع إسمها وتاريخها ونضالاتها التي كانت تغيّر معادلات وحسابات وتحقق إنجازات وتنال حقوقاً وتحرك الركود في الحياة السياسية.
وبينما يتحرك شباب ضد الفساد، تبدو خياراتهم محدودة، لا قدرة لهم بشعارات فوق طاقتهم، أن يكونوا نواة تغيير في ظل السطوة السياسية والطائفية التي تحكم البلد، الى عدم القدرة على التنظيم، لذا لا يمكن لحركة شبابية اعتراضية أن ترفع شعارات فوق امكاناتها، طالما لم تتشكل حاضنة نقابية وكتلة شعبية ديموقراطية بعيدة من الإصطفافات، تكون المنقذ في المقام الأخير.