IMLebanon

حراك خارج القيود

كم انشرحت صدور اللبنانيين وهم يرون ساحات بيروت ملأى بشباب متطلع الى وطن خارج القيود الطائفية والمذهبية والميليشياوية، وطن، كالذي حلم به ميشال شيحا وبنى أساساته بشارة الخوري ورياض الصلح وأرسى قواعد مؤسسات دولته فؤاد شهاب، قبل ان تعبث بها المخططات الخارجية، بالايدي الداخلية المسخرة او المستأجرة، بغير علم منها او دراية.هذا الحراك الشعبي المتعدد المصادر والاهداف، أيقظ الكثير من اللبنانيين من سُبات الاستسلام للأقدار الخارجية، والحتميات الطائفية والمذهبية، وأكد، رغم الخلافات بين مجموعاته، بسبب جموح البعض الى التفرد بالقيادة، أو لغاية استخدامه كشرفة لذوي الاحتياجات السياسية او الاعلامية الخاصة، او لتفاوت سقوف المطالب، بأن الموجة الشبابية المطلة على لبنان، خرجت، أو بدأت تخرج من المعلبات الطائفية، أو المناطقية او الفئوية المغلقة، فالكوكتيل الشبابي الذي ملأ ساحتي الشهداء ورياض الصلح ترجم حجم تبرم اللبنانيين بالواقع الطائفي الاستثماري، والمحاصصاتي المفروض عليهم.

وبمعزل عن الشواذات الاتي حصلت، وتحصل عادة، في هذا السياق، يتعين النظر الى الوجه المضيء لهذا الحراك، والمتمثل بتجاوزه محاولات جرّه الى الشغب المنفّر للرأي العام، أو استدراجه الى الحيز الطائفي الضيق، وخنقه هناك، رداً على بعض الهتافات او الشعارات، وبصرف النظر عن صحتها ومدى مطابقتها لواقع الحال، فقد نجح هذا الحراك بتعرية الطبقة السياسية المتقاسمة للحكم في لبنان، بحسب الشرائح الطائفية، بحيث تحول كل زعيم سياسي الى زعيم لطائفته عليها يبني امجاده، ومنها يستمد الطاقة للاستمرار، وبتجاوز ضمني او واضح، للمرجعيات الدينية التي ضاق هامش تأثيرها السياسي في شتى الحقول…

فالفساد الذي هبّ بوجهه هؤلاء، حالة مرضية تعصف بالحياة السياسية اللبنانية، فساد الادارات والصفقات والقوانين المشرعة غب المصلحة والطلب، وما النفايات التي عجزت حكومة المصلحة الوطنية عن معالجة أمرها، الا الوجه الظاهر من الجبل، وقد وضعت ملفاتها على سكة المعالجة، بعد شهرين من المناقصات والمحاصصات وممارسة لعبة شدّ اللحاف…

وتلي الكهرباء، التي يصح وصفها بفضيحة العصر اللبناني لما يعتري حقولها من عمولات وسمسرات وتلاعب بأسعار المحروقات، وحتى بساعات العمل الاضافية للموظفين، الحاضرين منهم والغائبين، وسط التقنين النهاري الشديد، والانقطاع الليلي المتواصل. وكانت بداية ثمار هذا الحراك، مبادرة القضاء الى فتح هذا الملف الكبير والخطير، بأخبار من الوزير رشيد درباس، فاذا أول الغيث استدعاء ١٢ وزيرا ونائبا للتحقيق يوم الاثنين، لمعرفة مبررات امتناعهم عن تسديد فواتيرهم الكهربائية، ومن ثم قطع اشتراكهم بالكهرباء، حتى يبرّئوا ذممهم تجاه مؤسسة كهرباء لبنان.

لقد قيل الكثير في أهل الحراك، من الارتباط بالسفارات، الى الايديولوجيات المندثرة…

ومن دون جدال حول صحة أو عدم صحة ما يقال، لا بد من التسجيل للحراك أمرين: رفضه احتضان جماعات مندثرة بالفساد على مختلف مستوياته، جاءت تدعي محاربة الفساد… وتخطيه أشخاصا ومؤسسات حاولوا العربشة على جدران الحراك، ولم يوفقوا حتى الآن…

ما أظهرته هذه الحركة الشعبية العارمة، ان تغيير النظام كما طالبت بداية، ليس متاحاً عبر الشارع ولا مطلوباً، في بلد مركّب من مجتمعات طائفية المحتدّ عشائرية الجذور، وخيراً كان التحوّل نحو المطالبة بتسريع انتخاب رئيس للجمهورية…

ومثلها تغيير الطبقة السياسية، التي هي بنت الواقع الطائفي أو المتطيّف، فتغيير هذه الطبقة يجب أن يتم بالانتخاب ومن داخل طوائفها، وليس من الخارج السياسي أو اللاطائفي، وإلاّ لتحولت الطائفة الى حصن لحماية موبقات أتباعها والمتاجرين بها أبد الدهر…