Site icon IMLebanon

حراك الشارع ومخاوف المُرتابين منه

يرى بعض المراقبين أنّ الأفق داخلياً وإقليمياً غير واضح، وأنّ كلّ الاحتمالات واردة، فلبنان والمنطقة يعيشان في ظلّ فوضى كبيرة، لكنّ تدحرجَها وحجمَها وأبعادها ما زالت غيرَ واضحة المآل.

يقول أحد السياسيين المتابعين للأحداث والتطورات السياسية الجارية إنّ خروج رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون من الحراك الذي سيَشهده وسط بيروت اليوم، محدِّداً الأسبوعَ المقبل موعداً لحراك «التيار الوطني الحر»، ربّما يكون قد أضعف البُعد السياسي لتحرّك منظمات «المجتمع المدني» وغيره اليوم.

وإلى ذلك، يعتقد هذا السياسي أنّ عون ربّما شكّلَ في موقفه هذا «فسحةً ذكية» تدلّ الى أنّ هناك «شيئاً إيجابياً» يتحرك بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري العامل على أكثر من مستوى لإطلاق مبادرة يأمل في أن تغيّر مسار الأزمة وتدفعها إلى آفاق الانفراج والمعالجة في وقت ليس ببعيد، وسيعلنها من النبطية غداً في الذكرى السابعة والثلاثين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين أثناء زيارتهم لليبيا في آب 1978.

ويرى السياسي نفسُه أنّ الحراك المقرّر اليوم سيعكس في ما سيَشهده من مواقف ووقائع ما يمكن ان يكون عليه المشهد السياسي في قابل الأيام والأسابيع، في ظلّ اعتقاد لدى البعض في وجود «إرادة مشتركة» ما داخلية وخارجية، أو خارجية صِرف لدفع الأفرقاء السياسيين باتّجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية السنة على أبعد تقدير.

ويرى الذين يعتقدون بوجود مثل هذا السيناريو أنّ الحراك في وسط بيروت والذي يتوسّع الى خارجه أحياناً ليس بريئاً من دعم خارجيّ، ويتشبّهون بوجود لمسات أميركية في مكان ما، دلَّ إليها تحرّك السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل أخيراً في اتّجاه رئيس الحكومة تمّام سلام محتجّاً على «التعامل بالقوّة» مع المتظاهرين، وناقلاً إليه رسالة اعتراض بهذا المعنى من الإدارة الأميركية.

ويشير السياسي نفسه الى أنّ أفرقاء مشاركين في الحكومة ومعهم تيار «المستقبل» مرتابون من هذا الحراك، ويتحدثون عن احتمال وجود سيناريوهات دراماتيكية، القرار بإسقاط النظام جزءٌ منها، ويدعمها الجانب الاميركي، وجزء آخر خفيّ يعتقدون أنّ للجانب الايراني دوراً فيه، بغية تحقيق انقلاب على النظام.

لكنّ السياسي إياه يرى أن ليس سهلاً الأخذُ بصحة ما يرَوّجه المرتابون من الحراك، ويشير الى انّ حزب الله مرتاب منه منذ اللحظة الأولى لانطلاقته، ما يعني أنّه لا يمكن ان يكون لإيران أيّ دور فيه.

بَيد أنّ سياسيين آخرين يقولون إنه إذا صحّ فعلاً وجود سيناريوهات من هذا النوع فإنها قد لا تتعدّى ان يكون هدفها أكثر من ممارسة ضغوط على جميع الافرقاء السياسيين في 8 و14 آذار للنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد تحت وطأة فراغ دستوري جديد يمكن ان ينجمَ من اعتكاف أو من استقالة مفاجئة أو تحت ضغط الشارع يقدِم عليها رئيس الحكومة تمام سلام ويَفتقد البلد معها العقال الدستوري الأساسي (المفقود أصلاً) الذي يملك صلاحيةَ مباشرةِ العملية الدستورية اللازمة لتأليف الحكومة، وهذا العقال هو رئيس الجمهورية غير الموجود حالياً.

ويقول هؤلاء السياسيون إنّ الوضع الاقليمي المحكوم بانتظار ما سيؤول إليه مصير الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي، ما زال غامضاً، ولكن بعض الجهات الاقليمية تتحرّك في مرحلة أشبَه بمرحلة وقت ضائع، محاولةً استباقَ مصير الاتفاق النووي لتحقّق إنجازات في السياسة وفي الميدان، خصوصاً في اليمن حيث يعمل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لتحقيق حسمٍ أو تقدّم في مواجهة الحوثيين وقوّات علي عبدالله صالح، أو في سوريا التي يحاول النظام استعادة ما أمكنَه مِن مناطق تسيطر عليها المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة بمسَمّياتها المختلفة قبل تبَلوُر صيغة الحوار وتالياً الحلّ السياسي الذي يعمل عليه الجانب الروسي مع أطراف إقليمية ودولية عدة.

وفي الوقت نفسه ينتهج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تصعيداً في الشمال السوري عبر «جيش الفتح» اعتقاداً منه أنّ أيّ تقدّم يُحرزه هذا الجيش يعزّز رصيده في الانتخابات المبكرة التي قرّرها في تشرين محاولاً الكرّة مجدداً للوصول من خلال نتائجها الى النظام الرئاسي الذي يطمح إليه، وهو ما كان فشلَ في تحقيقه خلال الانتخابات التي جرت قبل أشهر.

أحد السياسيين يعتقد أنّ غموض الوضع الإقليمي ربّما بدأ يوَلّد إرادةً ما في داخل لبنان وخارجه تدعو إلى البدء بتفكيك الأزمة اللبنانية تدريجاً بانتظار زوال ذلك الغموض، على ان تكون الخطوة الأولى تمكين الأفرقاء السياسيين من انتخاب رئيس توافقي قبل نهاية السنة.