فرضت الانتخابات البلدية منذ المرحلة الاولى ايقاعها على الاجواء العامة في البلاد، وخلقت دينامية وحيوية خرقتا جدار الجمود والمراوحة القائمين.
ومما لا شك فيه ان هذه الانتخابات، على حد تعبير الرئيس نبيه بري امام زواره امس، «اظهرت تعطش اللبنانيين للتعبير عن انفسهم وهذا ما ترجم في الاقبال الجيد على صناديق الاقتراع بصورة عامة وفي ما عكسته النتائج حتى الان».
وكما طرحت تساؤلات حول النتائج التي اسفرت عنها المرحلة الاولى، فان اسئلة ودلالات كثيرة حملتها نتائج المرحلة الثانية خصوصا على صعيد الشارع المسيحي.
ووفقا للقراءة العامة لما جرى من الاولى، فان انتخابات جبل لبنان سجلت مشاركة ناشطة تعكس التنافس الذي حصل في العديد من المدن والبلدات والقرى من جهة، والرغبة في اعتراض العائلات والتشكيلات المدنية على تعليب اللوائح من قبل الاحزاب الكبرى، او على محاولة حصر التمثيل البلدي بهذه الاحزاب.
ـ تكهناتـ
ولكن البارز في القراءة بعد المرحلتين الاولى والثانية ان مقولة «تسونامي» الثنائي المسيحي المستجد (التيار العوني) والقوات سقطت بنسبة كبيرة، ولم تكن سوى مجرد ارهاصات وتكهنات في غير محلها، خصوصا بعد ان اظهرت نتائج المرحلة الثانية فوزا عريضا للعديد من القوى المتضررة من مثل هذا «التسونامي».
وحسب مصادر مطلعة فان ثمة نقاطاً وحقائق بددت اوهام تشكيل مثل هذا «التسونامي» منها على سبيل المثال:
– تعذر تعميم التحالف الانتخابي بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» بين الطرفين في العديد من البلدات والقرى.
-الرد الفعلي العكسي الذي خلقه هذا التحالف الثنائي، خصوصاً لدى الاطراف الاخرى التي كسبت عطفاً اضافيا استطاعت ان تستثمره في معاركها.
– تمرد اعضاء ومناصرين للطرفين على ما يمكن تسميته باللوائح الرسمية للتحالف الثنائي.
– عدم نضوج فكرة التعاون بين الطرفين الى مستوى التحالف الكامل، وهذ ما فسر حصول اكثر من معركة ومواجهات في العديد من المناطق.
– تلاشي وانكشاف خطأ مقولة تمثيل التيار والقوات لـ86 في المئة من المسيحيين، وبروز حضور وازن ايضا لقوى مسيحية اخرى.
وفي النتائج التي اسفرت عنها انتخابات الجبل يمكن تسجيل الوقائع والعناصر التالية:
1- اثبت النائب ميشال المر بشكل صريح وواضح انه «اللاعب الاكبر» في الانتخابات البلدية في المتن، لا بل ان ما حصده المر من بلديات ضمن له الاتحاد قبل التوجه الى صناديق الاقتراع.
ثم جاءت هذه الصناديق بفوز عريض حققه بالتعاون مع الكتائب وبعض القوى مثل الطاشناق في الكثير من البلدات اكان في الساحل او الوسط او المتن الاعلى.
وترى المصادر ان المرّ «لعبها صح» واثبت انه رقم صعب في المنطقة اكان على المستوى البلدي او على المستوى الشعبي. ويمكن القول انه كان الرابح الاكبر ليس من خلال حصد اكبر عدد من البلديات المتنية فحسب، بل من خلال رسم تحالفات ناجحة يمكن استثمارها في الانتخابات النيابية.
2- لم يحقق التيار العوني الفوز المطلوب لاعادة تأكيد حضوره السياسي والشعبي الاقوى في جبل لبنان، لكن فوزه في جونيه والحدت وبعض البلدات والقرى خصوصاً في كسروان ساهم في المحافظة على وزنه الشعبي القوي بصورة مقبولة تبقي على تأثيره الاساسي في الشارع المسيحي والماروني.
ومما لا شك فيه، حسب مصادر مطلعة، ان عوامل عديدة ادت الى هذه النتائج بالنسبة للتيار ومنها:
– خاض التيار العوني الانتخابات تحت ضغط المحافظة على رصيده الاقوى في الجبل نسبة لتمثيله النيابي، فنجح في معارك وفشل في اخرى بسبب هذا الضغط الذي لعب لصالح الاخرين.
– برزت في الجولة الاولى والثانية من الانتخابات الارباكات والاشكالات التي ظهرت في صفوف العونيين في الامتحان البلدي على مستوى القواعد والكادرات والمسؤولين والانصار ايضا. ومما لا شك فيه انه بدل ان يساهم في رصّ صفوف العونيين ادى المؤتمر العام للتيار وما شابه من خلافات واعتراضات الى فجوات بين القرارات المركزية والقواعد في العديد من البلدات.
– لعب تضارب المصالح في بلدات عديدة داخل التيار نفسه، ادى الى حصول معارك جانبية كما جرى في ضبيه حيث ايد النائب نبيل نقولا لائحة المرّ في وجه اللائحة التي دعمها التيار، وكما جرى ايضا في بعبدات حيث انحاز النائب سليم سلهب اى اللائحة لمنافسة للائحة التيار ايضا.
– ظهر جلّياً اهتزاز التحالف الانتخابي بين التيار والقوات، وادى ذلك الى خروج الطرفين عن هذا التحالف في العديد من البلدات والقرى اكان في جونيه او الحدت او مناطق اخرى في المتنين وبعبدا وجبيل.
– وعلى الصعيد الايجابي فان اوساط التيار تنظر الى النتائج بمنظار آخر، حيث تعتز بالنتائج التي حققها في المعارك الاساسية كما حصل في جونيه والحدت، مقللة من الخرق الذي حصل في عاصمة كسروان.
وفي اعتقاد الاوساط العونية ايضا ان التيار خاض الانتخابات في كل مساحة جبل لبنان من دون استثناء وان اللوائح التي دعمها او شارك فيها او تلك التي ترك الخيار فيها للعائلات كان للصوت العوني التأثير القوي في نجاحها.
وترى ايضا ان تجربة التحالف مع «القوات» كانت جيدة رغم حصول بعض المعارك والمنافسات، وان المحصّلة ايجابية في كل الحسابات.
3- «القوات اللبنانية» خاضت الانتخابات في جبل لبنان بوضع مرتاح اكثر من التيار الوطني الحرّ وباقي الاحزاب والاطراف المسيحية. فهي تعرف سلفا انها لن تخسر في هذه الانتخابات، لا بل ستحقق مكاسب جديدة اذا ما قورن تمثيلها النيابي بتمثيلها البلدي.
فاذا كان التيار العوني قد خاض هذا الاستحقاق تحت ضغط المحافظة على التمثيل الاقوى، فان «القوات» استطاعت ان تؤكد حضورها وشراكتها بقوة في الجبل لا سيما في جبيل وكسروان وبعض المتن والشوف.
ـ قوة الطاشناق الانتخابية ـ
ووفقا للمصادر فان «القوات» تعاملت بورقة التحالفات مع التيار الوطني الحر بطريقة ناجحة للغاية، فتحالفت معه في معظم المناطق التي تعتبر محسوبة عليه في الاساس، باستثناء الحدت بشكل صريح وجونيه بشكل قابل للتأويل والتنصّل والتفسير.
واستطاعت القوات في المتن ترك التيار يخوض معاركه بنفسه ما عدا في بعض البلدات، بينما كانت الى جانب الفائزين والاقوياء في البلدات الاخرى، وبالتالي نجحت في هذه المنطقة بأن تحجز لها نفوذاً متزايداً يمكن استثماره لاحقاً.
اما في الشوف فكانت صاحبة الحضور القوي الذي يتقدم على التيار خصوصاً ان العونيين اخطأوا في خوض معاركهم او تعاملهم مع الانتخابات في بعض البلدات، وظهروا بأنهم هزموا فيها مثل الدامور وغيرها.
4- نجح الكتائبيون في خوض الانتخابات النيابية بطريقة مدروسة لا سيما في المتن حيث شاركوا الحر في الفوز في عدد كبير من البلدات، وجددوا فوزهم في مناطق نفوذهم.
ولا شك ان اصطفافهم في معركة جونيه الى جانب التيار الوطني الحر، جعلهم في موقع الفائزين في عاصمة كسروان وان كان بمساهمة غير كبيرة.
واذا كان حزب الكتائب قد حقق مكاسب بلدية في العديد من البلدات والقرى، فان معركة سنّ الفيل اعطته وهجاً خاصاً، واكدت قوته في المتن، مع العلم ان خصمه التيار العوني ساهم في اعطاء هذه المعركة هذا الطابع وهذا الوهج رغم ادراكه مسبقاً صعوبة فوزه فيها.
5- برهن حزب الطاشناق الارمني انه قوة انتخابية فاعلة، واستطاع ان يرجح الفوز لحلفائه في هذه البلدة او تلك، بغض النظر عن تلوّن تحالفاته حسب وضع كل بلدة.
وبرهن ايضاً انه يملك قدرة مميزة على حشد الاصوات وترجمتها في صندوقة الاقتراع عبر ماكينة منظمة خبرت الاستحقاق البلدي والنيابي.