Site icon IMLebanon

مشاعات جبل لبنان القديم في خطر… هل يصلها “الهيركات”؟

 

ما زال القيّمون على الدولة اللبنانية ومصالح الشعب لا يتجهون إلى الإجراءات الحقيقية التي تنقذ الدولة من الإفلاس، بل إنهم يبحثون عن حلول سهلة تضرب المواطن أولاً وأخيراً.

 

ثلاث سنوات ونصف السنة مرّت من عهد الرئيس ميشال عون ولم يسمع الشعب أن هناك فاسداً وضع في السجن أو سارقاً تمت معاقبته، أو بملف تفوح منه رائحة الفساد والسمسرات وصل إلى خواتيمه السعيدة قضائياً، في حين أن المواطن لا يزال يدفع ثمن الإستهتار الحاصل والإستمرار بسياسة المحاصصة والفساد.

 

لا شكّ أن الحكومة تبحث عن بطولات لتقول إنها فعلت شيئاً، لكن التصويب على مصالح الناس وودائعهم ومحاولة سرقتهم مرة أخرى سقطت بالضربة الشعبية، إذ إن “الهيركات” طار وتم الإنتقال إلى البحث عن حلول أخرى.

 

وفي السياق، فإن بعض المسؤولين يطرحون الإستفادة من أملاك الدولة من أجل سد جزء من العجز، لكن الجميع يعلم أن الهدف ليس إجراء إصلاحات جذرية وإعادة النظر بالقيمة التأجيرية للأملاك البحرية، بل البحث عن مصادر تمويل أخرى، وفي هذا الإطار هناك تخوّف من وضع اليد على أملاك البلدات التي ينطبق عليها نظام جبل لبنان القديم، أي المتصرفية الممتدة من جزين مروراً بجبل لبنان الحالي وصولاً إلى تنورين وبشري وإهدن، علماً ان هذه المشاعات هي ملك البلدات وأهاليها وليس الدولة، وتمتد على طول سلسلة جبال لبنان الغربية.

 

كان صيف العام 2016 حاراً جداً على الجبهة العقارية، فقد انفجر النزاع العقاري بين أهالي العاقورة ووزير المال السابق علي حسن خليل، عندما كان يريد مسح المشاعات باسم الدولة متخطياً القانون العقاري الذي يستثني جبل لبنان القديم، عندها قامت القيامة وكادت أن تتحول الأمور إلى صراع مسيحي – شيعي بعد الإشكالات المتنقلة بين أهالي العاقورة واليمونة الذين يسيطرون على قسم كبير من مشاعات العاقورة وتنورين بالقوة.

 

والجدير ذكره أن بلدات جبل لبنان القديم لا تخضع الأراضي والمشاعات فيها إلى قانون الأملاك العموميّة الرقم 3339 الصادر في 12/1/1930، في حين أن خليل كان أصدر مذكرة وتراجع عنها تحت وطأة الضغط وتهدف إلى تسجيل المشاعات العائدة للبلدات والقرى على اسم الجمهورية اللبنانية بدلاً من البلديات أو عموم أهالي القرى المعنية.

 

إذاً بعكس المشاعات في بقية لبنان، فإن المشاعات في جبل لبنان القديم هي ملك البلديات وعموم الاهالي وليس ملك الدولة، وبالتالي يطرح هنا السؤال الكبير وهو هل تستطيع الدولة وضع يدها على تلك الأراضي تحت حجة الظروف الطارئة والوضع المعيشي الصعب والأزمة الإقتصادية التي تهدد البلاد، وهل تخضع لـ”هيركات” بدل ودائع الناس؟

 

قانونياً، يجيب الوزير السابق زياد بارود على هذه التساؤلات، ويشير لـ”نداء الوطن” إلى أن البلديات شخصيات مستقلة وأملاك البلديات ليست لها علاقة بأصول الدولة التي يتمّ التحدّث عنها.

 

لكن في المقابل، يلفت بارود إلى أن أملاك البلديات الخاصة المسجلة باسمها لا تشمل المشاعات التي تكون ضمن نطاقها، بل هي تديرها أو تكون تحت إدارة لجنة مشاعات أو اتحاد بلديات أو قائمقام، وهنا تكمن الخطورة.

 

ويشير إلى أنّ وضع الدولة يدها على تلك المشاعات في جبل لبنان القديم ليس بالأمر السهل، لأن ذلك يتطلب قانوناً من مجلس النواب، فالقرار 3339 الذي صدر العام 1930 صدر عن هيئة تشريعية ويحتاج تعديله إلى مجلس نواب، وهذه كانت “غلطة” حسن خليل بالنسبة إلى مشاعات العاقورة، مؤكداً في المقابل ان مثل هكذا قرار لن يمرّ في المجلس لأن هناك قوى اساسية ترفضه ولا تستطيع الموافقة عليه، لأنه يسلخ مشاعات بلدات جبل لبنان القديم ويحرم الأهالي منها ويضعها في عهدة الدولة.

 

إذاً قدّ يؤدّي مثل هكذا قرار إلى انتفاضات بلدات جبل لبنان والشمال المسيحي التي لديها مشاعات، والتي لن تقبل أن تضيع أملاكها وتذهب إلى إدارة الدولة التي تسرق المواطنين.

 

في المقابل، فإن الكنيسة تؤكد التصدّي لمثل هكذا خطوة إن تمت مثلما تصدّى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لمحاولة وضع اليد على أملاك العاقورة، فلا مزاح في هذه القضية، فالمطلوب من المسؤولين القيام بإصلاحات جذرية ووقف النهب والصفقات واسترجاع الأموال المنهوبة لا بيع أراضي البلدات التي دافع أهلها بالدم عنها، وبالتالي فإن مجرد التفكير بهذا الأمر غير وارد ولن يقبل أحد به والمسألة ليست إسلامية أو مسيحية بل وطنية.