IMLebanon

جبل المشكلات

يتباهى داود اوغلو بلقب “كيسينجر الشرق الاوسط” بعد نجاح انقرة في تطبيق نظريته “صفر مشاكل مع دول الجوار”، وخصوصاً عام 2003 عندما سعت تركيا إلى منع الغزو الاميركي للعراق، وأقامت أفضل العلاقات مع الجيران من سوريا ومصر والاردن والسعودية الى ايران وروسيا. هذه السياسة توجت مرشده الروحي أردوغان بطلاً في شوارع المدن العربية بعد الاستعراض الذي قدمه في دافوس أمام شمعون بيريس وتحديه الاسرائيليين بالسفينة “مرمرة” التي حاولت كسر حصار غزة.

ولكن يبدو ان “موجة الربيع العربي” عجلت في كشف النيات المبيتة لاردوغان كزعيم يطمح الى زعامة السنة في المنطقة واستعادة حدود السلطنة. في زمن قياسي، تحولت “صفر مشاكل” الى “أطنان من المشاكل” مع كل الجيران. انهارت الروابط التاريخية بين تركيا ومصر وارتفعت المتاريس بينهما. وبسبب القاهرة و”الاخوان” ارتفعت الحواجز مع السعودية والامارات. صداقة السلطان الجديد مع الرئيس السوري صارت جحيماً، خسره… ولم يكسب في المقابل سوى النزر المتطرف من معارضيه. الود الذي كان يربطه بايران تصدع على الارض السورية. والعلاقة الاستراتيجية مع صديقه الأخير في روسيا تحطمت أيضاً في السماء السورية. آخر المشاكل كانت مع بغداد التي استباح اراضيها بجنوده ومدرعاته. ولم يبق له من اصدقاء في المنطقة سوى امارة قطر التي لا يزيد عدد اصدقائها الفعليين عن اصدقائه، ورئيس اقليم كردستان العراق الذي يسايره علناً ويرتاب في كرهه للاكراد ضمناً… وطبعاً “أمراء اللحى غير المشذبة” الذين يسهل مرورهم الى أرض الجهاد في الشام والعراق في مقابل خدمات سياسية وامدادات نفطية مسروقة ورخيصة.

التدخل المرفوض من ايران في الشأنين العراقي والسوري، ولو كان بطلب من الحكومتين الرسميتين في بغداد ودمشق، لا يبرر بالضرورة التدخل التركي في العراق بطلب من محافظ سابق أو في سوريا بطلب من ائتلاف حزبي مفترض لا وجود له على الأرض أو بفتوى من أمير جماعة. إلا اذا كانت انقرة تعتبر نفسها وصية على السنة العرب وترى في الموصل وكركوك وحلب اقطاعات عثمانية مسلوبة ينبغي اعادتها الى حضن السلطنة بالقوة وباستغلال الفوضى.

كل دهاء داود أوغلو وبلاغة اردوغان لم يكونا كافيين لتغطية التدخل المباشر. كان يمكن أنقرة ان تكون اكثر مهارة في التمويه. واذا كانت موسكو موهت تدخلها بالقانون الدولي ومعاهداتها مع دمشق، فان تركيا التي لا يتوافر لها هذا الغطاء كان عليها ان تتعلم من ايران كيف تدخلت بالواسطة في اليمن وقلبت المعادلات فيها من غير ان تترك أثراً عينياً واحداً، لا جنود لا افواج عسكرية ولا دبابات، بل فقط عقيدة وعصب وانصار وتحكم من بعد.

العجرفة لا تبني دولاً عظمى، بل تُراكم جبل المشكلات.