لن تقود جبال النفايات التي تتراكم في شوارع بيروت وضواحيها إلى التعجيل في إنجاز أيّ استحقاق، وفي مقدّمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل ربّما تهَدّد بانفجار اجتماعيّ وبيئي يَخلط الأوراق والحسابات ويُعيد ترتيبَ الأولويات على وقعِ المرحلة الانتظارية داخلياً والانفجارية إقليمياً، والتي بدأت بَعد توقيع الاتّفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية.
منذ أيام بدأ يَسود بعضَ الأوساط السياسية كلامٌ يَستسهل ويَستهين باستقالة الحكومة إذا حصلت، لكنّه غير مبنيّ على أساس قانوني أو دستوري، وإنّما يَستند إلى العوامل والأسباب السياسية التي تعَطّل انعقادَ مجلس الوزراء بنحوٍ طبيعي، وفي مقدّمها الخلاف على التعيينات في بعض المواقع الأمنية والعسكرية التي يصِرّ «التيّار الوطني الحر» على البَتّ بها قبل أيّ مواضيع أخرى، ولا يرَى مبرّراً للتمديد مجَدّداً لشاغلي هذه المواقع حاليّاً، ويطالب بتعيين بديلين لهم فيها، حتى لا ينسحب عليها التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص الذي تمّ بقرار اتّخَذه وزير الداخلية نهاد المشنوق وليس بقرار لمجلس الوزراء.
واللافت أنّ هذا الكلام على استقالة الحكومة صَدر ويَصدر همساً أو عَلناً أو تسريباً مِن أوساط حكومية، وعن سياسيين في فريق 14 آذار، على رغم أنّ لهذا الفريق مصلحةً حيوية في استمرار الحكومة لأنّ رئيسَها تمّام سلام من صفوفه ومصيرَها متوقّف على موقف رئيسِها، فإذا استقالَ تستقيل، وإذا لم يستقِل تستمرّ إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فتصبح عندها مستقيلة دستورياً، على رغم أنّ أيّ فريق مشارك في الحكومة لا يملك فيها «الثلثَ المعطّل» الذي إذا استقالَ يَجعلها مستقيلة.
وفي الموازاة فإنّ «التيار الوطني الحر» وحلفاءَه وفي مقدّمهم «حزب الله» يؤكّدون أنّهم لا يريدون إسقاط الحكومة أو الاستقالة منها، ولا حتى تعطليها، وأنّهم لا يضمرون الوصول إلى هذا الأمر من خلال تحرّك التيار في الشارع وموقفه المتشدّد في موضوع أولوية التعيينات الأمنية والعسكرية ووجوب التزام آليّة التوافق المتّفَق عليها حول طريقة اتّخاذ القرارت في مجلس الوزراء كونه يمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة نتيجة الشغور الرئاسي.
وفي هذا السياق يقول سياسيّ متابع أن ليس لدى حزب الله وحلفائه أيّ قرار بالخروج من مفاعيل الدور الإيجابي للحكومة، إذ لا يزال لديهم رهانٌ
وأمل في أنّها في اللحظة الحاليّة تمثّل حاجةً حيوية للبَلد بالحد الأدنى، بشرط توافرِ أمرَين:
ـ الأوّل، أن تؤمّن هذه الحكومة آليّةً لإدارة التوافق داخلَ مجلس الوزراء وآليّةً لإدارة انتظام العمل الحكومي.
ـ الثاني، أن تكون هناك استجابة لدى الفريق الآخر لمطالب عون «المشروعة» كونه يمثّل أكثرية مسيحية مرموقة.
ويضيف هذا السياسي أنّ الواضح مِن ضمن هاتين الثابتتين حتى الآن هو أنّ حزب الله وحلفاءَه لا يريدون شَلَّ العمل الحكومي. ولكن في المقابل هناك قوى على الضفّة الأخرى تحاول رميَ كراتِ نارٍ حكومية تتّصل بالأمن الاجتماعي للمواطن كوسائل ضغط في لعبة التجاذب الحكومي القائمة، وإحدى هذه الكرات ملفّ النفايات.
ويرى السياسي نفسُه أنّ هذا الصيف الحارّ الذي بدأ اللبنانيون الاكتواء بحرارته مع نهاية تمّوز الجاري لن يكون فقط حرارةَ طقس وتقنيناً كهربائياً ونفايات وإلى ما هنالك من هذه الكرات المشتعلة ذات الطابع الضاغط على الناس، إذ يبدو أنّ هناك مَن يراهن على هذه الحرارة، وعلى هذا النوع من الملفّات المتدحرجة، في محاولةٍ لخَلق واقعٍ متفجّر في البلاد يؤسّس لإنتاج ديناميّات تحَرّك الركود في الملفات الكبرى، وعلى رأسِها ملفّ الاستحقاق الرئاسي.
وفي رأي هذا السياسي، أنّ هذه الرهانات تبقى قاصرةً عن قراءة المعطيات الإقليمية التي لا زالت مغلقة أمام أيّ فرصة حقيقية لإحداث اختراق نوعيّ في ملف لبنان الذي من الواضح أنّه ما زال مرتبطاً بإحِكام بالملف السوري، وتالياً بملفّات المنطقة.
وفي هذا السياق تفيد مصادر واسعة الاطّلاع أنّ لقاءات بعض الوزراء الأخيرة في الخارج أفضَت إلى اقتناع بوجود صعوبة في إحداث اختراق نوعيّ في الأزمة اللبنانية ما دامَ التناقض السعودي ـ الإيراني في ذروة الاشتباك على كلّ ساحات الإقليم.
وخلافاً للتلميحات والتصريحات لدى بعض سياسيّي فريق 14 آذار التي توحي بأنّه لم يعُد متمسّكاً بالحكومة، يؤكّد هذا السياسي أنّ هذا الفريق، وفي قراءته الداخلية للأحداث السياسية وتطوّراتها، يَعتبر أنّ هدفه الوحيد في المرحلة المقبلة هو الحفاظ على السلطة من خلال الحفاظ على استمرار حكومة سَلام، لأنّ استقالتها مِن شأنها أن تُخرجَه من دائرة أيّ فعلٍ في ما يتعلق بالقرارات المصيرية، ويَجعلها حكومة تصريف أعمال بالحدّ الأدنى، الأمر الذي يُخرِج تيار «المستقبل» تحديداً من أهمّ ساحات تأثيره ويُعيده إلى مرحلة الحكومة السابقة أو أكثر منها بقليل، وإذا كانت الوزارات الأساسية التي يتولّاها فيها يمكن أن تستمرّ في تأمين بعض الخدمات، فإنّها، أي الحكومة، تكون قاصرةً عن تأمين مقوّمات السلطة الأساسية التي كان «المستقبل» وحلفاؤه قد عادوا إلى جَنّتها مِن خلال هذه الحكومة السَلامية.