IMLebanon

القائد الفذّ  

 

في 31 آب 1978، أي قبل 42 عاماً، كنت في طريقي إلى المطار مُستمعاً إلى الراديو عندما قطعَت محطة إذاعة مونتكارلو برامجها، وكانت الأكثر إستماعاً في لبنان خصوصاً لدى جيل الشباب، لتُعلن أنّ أخبار الإمام السيّد موسى الصدر مقطوعةٌ منذ أكثر من 36 ساعة. فلا تواصلَ ممكناً معه ولا يُعرَف عنه شيء، وهو موجود في ليبيا بزيارة رسمية. وأنّ هذا الوضع يُثير القلق الشديد لدى أصدقائه وأحبّائه ومُريديه الكُثر على مستوى الخريطة اللبنانية كلّها وأنّ إتّصالات سريعة أجريَت مع طرابلس الغرب التي غابَت عن السمع. وقد سبقَنا هذا النبأ المقلق إلى المطار وراح الناس جميعاً، من مغادرين وقادمين ومستقبِلين ومودّعين يتبادلونه، فينتشر كالنار في الهشيم.

 

وإذ كنتُ أرتشفُ قهوتي في صالون الإنتظار عُدتُ بالذاكرة إلى معرفتي المباشرة الأولى بسماحة السيد وكانت فقط قبل سنتين عندما جمعَتنا طائرة باريس وكنتُ في مهمّة صحافية وكان سماحته يجلس إلى يمين الفاصل بين المقعدين وبرفقته السيدة حرمه.

 

نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة إستغرَقَتها الرحلة يومذاك، لم نترك وضعاً وحدَثاً إلّا تبادلناه. فتبدّى لي بالمباشر ما كنتُ أسمعه عنه وأتابعه مهنيّاً عبر نشاطه الوطني والإنساني والعقلاني المهمّ، خصوصاً يوم استمعتُ إليه في كنيسة الكبّوشية، فبدا لي رجلاً إستثنائياً يكلّ ما للكلمة من معنى وقائداً إستثنائياً ولاهوتياً إستثنائياً وحوارياً إستثنائياً  وشموليّاً في الفكر والثقافة وقبول الآخر…

 

سألتُه في تلك الرحلة عن غايته في باريس فأجابني: «إستشفائية». وأضاف: «أنا مُرهقٌ كثيراً هذه الأيام، وأعاني هبوطاً مروّعاً في الضغط العالي (…)».

 

ولمّا هنّأته بالسلامة من التفجير الذي زعمتُ أنّه استهدَفَه خلال لقاءٍ مع حركة أمل في البقاع، لم ينفِ خبراً، إذ قال لي: «لقد أثبتت تحقيقاتنا الذاتية وتحقيقات الجيش اللبناني أنّها كانت محاولة لإغتيالي».

 

مهما طال الكلام فلن يفي تلك الشخصية القيادية الفذّة بعضاً من مزاياها الكبيرة وأنا أجزمُ بإثنين: لو بقي جمال عبد الناصر على قيد الحياة لما وقعَت الحرب الطويلة على لبنان. ولو بقي الإمام موسى الصدر في لبنان، لما استمرّت الحرب طويلاً.

 

ردّ الله غربتك ورفيقيك أيها القائد الكبير الملهَم.