IMLebanon

في ذكرى تغيّب الإمام موسى الصدر

 

 

في 31 آب سنة 1978 قبل 42 عاماً، كنت وأصدقائي الناصريين نجلس في مطعم أبو خضر في منطقة كورنيش المزرعة مجتمعين، نتباحث بما يجري وما قد يجري ليلاً في كل يوم من أحداث أمنية، تُذكر ولا تُعاد بإذن الله، وإذا بنا نفاجأ بخبر على إحدى الإذاعات العالمية عن طريق الراديو ان السيد موسى الصدر وأخويه الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين قد انقطع الاتصال بهم (وكانوا في ذلك الوقت في ليبيا).

 

عندها انتابني احساس غريب، وأسرعت للاتصال بصديقتي من آل سليمان من منطقة بدنايل البقاعية المناضلة التي كانت قد عرّفتني على السيد موسى الصدر. فوجدت أنها لا تعلم شيئاً، فأخبرتها ما سمعت فقالت لي: لعلّه خيرا، دعنا نتابع الأخبار سوياً. ساعات معدودة ونسمع خبر مدوٍ أفجع الجميع، وهو ان السيد الصدر قد اختطف. أيقنت حينها ان أمرا ما يحاك ضد لبنان وقد يطيل الحرب اللبنانية، لأنني كنت على يقين ان اختطاف هذه الشخصية الفذّة التي تناضل من أجل إنهاء الحرب الأهلية بسرعة في لبنان له تداعياته. مثلما كنت أتوقع وأجزم انه لو بقي جمال عبد الناصر على قيد الحياة لما وقعت الحرب الطويلة على لبنان، وكذلك لو بقي الإمام موسى الصدر في لبنان لما استمرت الحرب طويلاً.

 

فالسيد موسى الصدر حالة فريدة من نوعها وهو موجود في قلوب كل اللبنانيين، فكيف لا وهو الذي يدعو الى نبذ التعصب والانفتاح على الآخرين وترسيخ العيش الواحد والتأسيس لحياة وطنية سليمة قائمة على مبادئ الحق والعدالة والتسامح والعفو والمغفرة والصدق والأمانة والاحسان.

 

الرجال الرجال وعلى رأسهم سماحة الإمام لو غابت أجسادهم فأفكارهم وأعمالهم تبقى حيّة في القلوب والعقول لسنوات وأجيال، وفكر سماحة الإمام يعلّمنا التبصّر في وطنية فلسطين التي شكّلت نبضة المقاوم، ويحملنا أيضاً على التفكير في القدس والمقدسات اللتين شكّلتا قضيته الخاصة والمقدّسة واللتين استحضرهما بكافة عناوينهما، وأعلن ان المقاومة واجب شرعي في سبيل تحريرهما حيث قال «ان السند الحقيقي للثورة الفلسطينية هو عمامتي ومحرابي ومنبري». ومع تعاظم الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، أطلق الإمام الصدر صرختة المدوية عام 1973 قائلاً «ان لم تدافعوا عن لبنان سندافع عنه، وان لم تقاتلوا في سبيله سنقاتل ولا نريد ولا نقبل أن تحتل إسرائيل أرضنا وبعد ذلك نؤسّس المقاومة ونمنع الاحتلال».

 

وهكذا بدأ الإمام رحلته التحريرية بمبادرة فردية شخصية منه تحوّلت مع الوقت الى محور مقاوم له أبعاد إقليمية ودولية. ونستذكر كيف تمكّنت المقاومة اللبنانية حينها من دحر إسرائيل في 30 آذار 1977 بعد مواجهة باسلة معها في تلال شلعبون، أسفرت عن تراجع إسرائيل خائبة الى الحدود الدولية ولاحقاً بعد أن تعاظمت المواجهة، حقّقت المقاومة الوطنية الشاملة الانتصار الكبير على إسرائيل عام 1985 من شمال صيدا الى جنوب صور، ومع نهج الإمام المقاوم كرّت سبحة الانتصارات حتى تمكّنت المقاومة الوطنية الشاملة من هزيمة إسرائيل عامي 2000 و2006.

 

ولكن ليته كان معنا، ليته يرى الآن ما يحدث لنا، ليته الآن يرى شعبه المغرّب المقهور والجائع والتائه والذي لا يعرف ماذا يعمل وماذا يفعل. لو كان الإمام الآن معنا لكانت الوحدة الوطنية أساساً للعيش المشترك ولكان لكل الطوائف والمذاهب، يقف الى جانب الفقير المحروم من الدواء والمسكن والمشرب.

 

أيها الإمام المغيٌب اننا بحاجة لك كثيراً هذه الأيام ووطنك لا زال يتعذٌب يوماً بعد يوم بسبب غيابك.

 

ندعو للإمام ورفيقيه في العودة السريعة قبل أن يفقد لبنان كل ما كان يحلم به وعمل له سماحته.

 

وأخيراً، من بيروت الوطنية نتوجه بالتحية والتقدير الى دولة الرئيس نبيه بري الأمين على قضية الإمام الصدر ووصيته بحفظ لبنان ورسالته وشعبه الطيب.