IMLebanon

الإمام موسى الصدر والشيعة اللبنانيون والفلسطينيون في لبنان (2)

جبل عامل قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

 

كتب تريستان هيليون – لوني

 

 

تضيء المقالة الثّانية على السّياقين الجيوسياسيّ الإقليميّ والسّياسيّ العسكريّ المحلّيّ، اللّذين جعلا جبل عامل قلب الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ انطلاقًا من العام 1971. يستند هذا البحث إلى توثيق المصادر العربيّة المتاحة وإلى العديد من اللّقاءات الّتي أُجريَتْ في لبنان، خاصّةً مع عائلة الإمام موسى الصّدر، وقيادات في حركة امل وحزب الله والفصائل الفلسطينيّة.

 

ومن بين الشّخصيّات الّتي استصرحناها والّذين سنستشهد بهم في هذه المقالة، نذكر سلطان أبو العينين وحسين الموسوي. سلطان أبو العينين هو مسؤولٌ عسكريّ في فتح منذ العام 1969 وقائد عسكريّ للمنظّمة في لبنان من العام 1988 إلى العام 2009، لعب دورًا مهمًّا خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. في بداية السّبعينيّات، شارك مع ضبّاط فلسطينيّين آخرين في التّدريب العسكريّ لناشطين من حركة المحرومين، الّتي سيُعرَف جناحها العسكريّ باسم أمل في 6 تمّوز 1976. وكان سلطان أبو العينين مسؤولًا أيضًا عن فتح في برج البراجنة خلال «حرب المخيّمات» بين أمل والفلسطينيّين في الفترة الممتدّة من العام 1985 إلى العام 1988. أمّا حسين الموسوي، المُلَقَّب بأبي هشام؛ فكان مقرَّبًا من الإمام موسى الصّدر في السّتّينيّات وأحد مؤسّسي حركة أمل. انفصل من الحركة في العام 1982 وأنشأ حركة أمل الاسلاميّة، الّتي أصبحت أحد المكوّنات الأساسيّة الثّلاثة لحزب الله. وهو لا يزال عضوًا مهمًّا في حزب الله وفي عداد مجلس شورى الحزب.

 

 

وشوشة بين الامام الصدر والمفتي قبلان والرئيس برّي

 

الأطر الجغرافيّة والجيوسياسيّة والسّياسيّة-العسكريّة الّتي ربطت الجماعتين وتنظيماتهما

 

في إثر الهزيمة العسكريّة الّتي مُنِيَتْ بها الجيوش العربيّة أمام إسرائيل في العام 1967(الحدث الّذي شاعت تسميته عربيًّا بالنّكسة)، قرّر الفلسطينيّون تحرير فلسطين بأنفسهم. اتّخذت منظّمة التّحرير الفلسطينيّة من الأردن ملاذها في البداية، تجلّى ذلك بوضوح في العام1968 في معركة الكرامة ضدّ القوّات الاسرائيليّة. بعد مغامراتٍ سياسيّة وأمنيّة عديدة، أعقبتها حربٌ مفتوحة مع الجيش الأردنيّ، طُرِدَتْ القوّات الفلسطينيّة من الأردن في إثر أحداث أيلول الأسود (1970-1971). فانتقل عديد قوّات منظّمة التّحرير الفلسطينيّة بمعظمه إلى لبنان وتحديدًا إلى جنوب البلاد بحثًا عن جبهة جديدة في مواجهة إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب انتشار قوّات الأمم المتّحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في الجولان السّوريّ المحتلّ من إسرائيل منذ العام 1974 وقرار حافظ الأسد بالوصاية على القوى الفلسطينيّة النّاشطة انطلاقًا من سوريا، تجمّدت الجبهة السّوريّة، ممّا فاقم النّزاع في جنوب لبنان وجعله مركزًا للصّراع الإسرائيليّ العربيّ. ومن العام 1970 إلى العام 1982، ازدادت حدّة العمليّات الّتي تنفّذها الفصائل الفلسطينيّة انطلاقًا من جنوب لبنان، كما ارتفعت في السّياق نفسه وتيرة الاجتياحات والغارات الاسرائيليّة المنفَّذة ضدّ قرى الجنوب سواءٌ تلك الّتي تُؤوي الفدائيّين (المقاتلين الفلسطينيّين) أو سواها. وشهدت مناطق العرقوب وراشيّا ولاحقًا بنت جبيل (جنوب لبنان) تزايدًا لمخيّمات التّدريب الفلسطينيّة، الّتي راحت تستقبل المزيد من المجنّدين، لتُعرَف سريعًا باسم «فتح لاند» (Malsagne et De Clerc, 2020, p 33 ; Seguin, 1988, p. 72-79 et 116-124). هكذا، يخبرنا سلطان أبو العينين عن وصوله إلى جنوب لبنان:

 

«وعدنا إلى لبنان عن طريق جبل الشّيخ عن طريق قرية سورية تُدعى عرَنة. وقد اختير الطّقس والمناخ المناسبين طبيعيًّا، كي ندخل إلى العرقوب في جنوب لبنان من دون أن نترك أثارًا أو بصمات. احتضننا جنوب لبنان بمسيحيّيه وسنّته وشيعته ودروزه. احتضنونا وكان يوصلون لنا طعامنا واحتياجاتنا إلى المغاور» (مقابلة مع سلطان أبو العينين، صيدا في 13 تشرين الثّاني 2019).

ad

 

خلافًا لهذا الإجماع الّذي شهد عليه أبو العينين، تأرجح سكّان جنوب البلاد (بغالبيّتهم الشّيعيّة) بين دعم القضيّة وبين استيائهم من تجاوزات بعض المسلّحين، وخصوصًا، بعد تصاعد الرّدود الإسرائيليّة الانتقاميّة والتّعسّفيّة وغير المتناسبة والمدمّرة بعنفٍ مفرط. وبالفعل؛ فقد شنّ الجيش الإسرائيليّ منذ العام 1968 هجماتٍ عديدة من أجل كسر المقاومة الفلسطينيّة، أسفرت عن خسائر بشريّة فادحة من دون جدوى. وقد أراد قبل كلّ شيء، وضع حدّ للدّعم الّذي يقدّمه سكّان الجنوب للفدائيّين. هذا بالإضافة إلى العديد من العمليّات السّرّيّة (Bergman, 2018)، نذكر على سبيل المثال عمليّة 11 أيّار 1970 حين دخل خمسة آلاف جنديّ إسرائيليّ إلى جنوب لبنان لتدمير المغاور الّتي يتحصّن فيها الفلسطينيّون. في مواجهة تقاعس الدّولة اللبنانيّة، الّتي لم تحرّك ساكنًا في مواجهة هذه العمليّة، صَرَّحَ الإمام موسى الصّدر في اليوم التّالي لجريدة المحرّر:

 

«لأنّ الدّولة لم تتصرّف على أساس أنّنا مجتمع حرب…حتّى ولا مجتمع دفاع؛ فالمجتمع اللبنانيّ بحاجة لأن يصبح مجتمع حرب لمواجهة المعركة المصيريّة الّتي تواجهه…يجب تأمين سلامة الأطفال والنّساء وتأمين وسائل العيش…يجب تسليح الشّعب وتدريبه ليكون القوّة الّتي تدعم القوّة النّظاميّة وتساعدها في المعركة…لماذا لا نبني قرى مسلّحة ومحصَّنة في الخطوط الخلفيّة تدعم الخطوط الأماميّة في مواجهة أيّ عدوان؟ لقد ناشدنا طويلًا جميع المسؤولين…وهذا هو ندائي الأخير… لبّوا النّداء قبل فوات الأوان».

 

في 15 أيّار 1970، شَرَعَ الإمام موسى الصّدر في تأسيس هيئة نصرة الجنوب لحشد أكبر عدد ممكن من القادة الرّوحيّين والزّعماء السّياسيّين من كلّ الطّوائف لمواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة على جنوب البلاد. ومن بين أعضاء الهيئة، يمكن أن نذكر البطريرك الماروني أنطونيوس خريش وقاضي المذهب الدّرزيّ في حاصبيّا الشّيخ نجيب قيس، ومفتي صيدا السّنّيّ الشّيخ محمّد سليم حمّود. ومع ذلك، وعلى الرّغم من دعمهم المعنويّ والسّياسيّ والدّينيّ، لم يكن بوسع هؤلاء القادة توفير الحماية والدّعم العسكريّ للجنوبيّين كما توقَّع الإمام موسى الصّدر.

 

في 22 أيّار 1970، أدّى هجوم إسرائيليّ على بنت جبيل وثلاث قرى أخرى في الجنوب إلى مقتل ثلاثة عشر شخصًا وإصابة اثنين وثلاثين آخرين، وتدمير ثلاثة وثمانين منزلًا. وأجبرت الاشتباكات العنيفة أيضًا ما بين عشرين إلى أربعين ألف من سكّان الجنوب على الفرار من منازلهم واللّجوء إلى حزام البؤس البيروتيّ، أو إلى أقاربهم في قرى الجنوب الآمنة أو في البقاع. وتسبّبَت هذه العمليّات الإسرائيليّة بنزوح معظمّ سكّان بنت جبيل وعيترون وكفرشوبا وراشيّا الفخّار وكفرحمام. في 26 أيّار 1970، نظّم الإمام موسى الصّدر إضرابًا عامًّا دعا إليه المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى استنكارًا لأسلوب اللّامبالاة والغياب التّامّ وعدم الاكتراث أمام الخطر المحدق وتخلّي الدّولة عن الجنوب. ردًّا على الإضراب الّذي نظّمه المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى، أنشأ مجلس النّوّاب اللبنانيّ في 2 حزيران 1970 مجلس الجنوب، برأسمال يبلغ ثلاثين مليون ليرة. وكلّفه إيواء النّازحين وتعويضهم. وقد شَلَّت عمل المجلس، الّذي ترأسّه في البداية محمّد شعيتو، التّوتّرات المتفاقمة بين الإمام موسى الصّدر وكامل الأسعد النّائب والزّعيم التّقليديّ في الجنوب اللبنانيّ وأداؤه البيروقراطيّ وقلّة الدّعم الّذي نالته قضيّة الجنوب من الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة.

ad

 

خلاصة:

 

هكذا، اقترح الإمام موسى الصّدر العديد من المشاريع على الحكومة والجيش اللبنانيّين بغية تعزيز القوّات المسلّحة النّظاميّة وتشكيل ميليشيات شعبيّة مستقلّة في قرى الجنوب. وكان منع تهجير سكّان جبل عامل وإحباط المخطّطات الاسرائيليّة في مياه اللّيطاني نقطتين أساسيّتين في رؤية الإمام موسى الصّدر وعمله. أمام تقاعس الدّولة وأغلبيّة الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة، اتّجه الإمام موسى الصّدر نحو فتح وياسر عرفات، وفقًا لشهادة حسين الموسوي، الّذي كان إلى جانب مصطفى شمران واحدًا من المسؤولين الرّئيسيّين عن التّدريب العسكريّ لمقاتلي حركة المحرومين في البقاع:

 

«بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة، تبلورت فكرة الإمام الّذي كان مقتنعًا بأنّ ما أُخِذَ بالقوّة لا يُسترَدُّ إلّا بالقوّة…لذلك، قمنا بتدريب مقاتلينا بدعم ياسر عرفات في جرود الهرمل وبعلبك وبريتال على وجه الخصوص. وبدأنا نحصل على سلاح خفيف وبنادق كلاشينكوف وسيمينوف، وأشياء من هذا النّوع. وبدأنا نقوم بعمليّات في جنوب لبنان، كان ينفّذها شباب من البقاع والجنوب وبيروت» (مقابلة مع حسين الموسوي، بيروت في 4 كانون الأوّل 2019).

 

ستتناول المقالة التّالية سِمات هذا التّقارب، الّذي عَرَّفَه الإمام موسى الصّدر بالتّحالف بين المحرومين على أرضهم (الشّيعة) والمحرومين من أرضهم (الفلسطينيّين).

 

(ترجمة: يونس زلزلي – دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة وجامعة غرينوبل ألب الفرنسيّة).

جبل عامل قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

الإمام موسى الصدر والشيعة اللبنانيون والفلسطينيون في لبنان (2)

تريستان هيليون – لوني

 

 

تضيء المقالة الثّانية على السّياقين الجيوسياسيّ الإقليميّ والسّياسيّ العسكريّ المحلّيّ، اللّذين جعلا جبل عامل قلب الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ انطلاقًا من العام 1971. يستند هذا البحث إلى توثيق المصادر العربيّة المتاحة وإلى العديد من اللّقاءات الّتي أُجريَتْ في لبنان، خاصّةً مع عائلة الإمام موسى الصّدر، وقيادات في حركة امل وحزب الله والفصائل الفلسطينيّة.

 

ومن بين الشّخصيّات الّتي استصرحناها والّذين سنستشهد بهم في هذه المقالة، نذكر سلطان أبو العينين وحسين الموسوي. سلطان أبو العينين هو مسؤولٌ عسكريّ في فتح منذ العام 1969 وقائد عسكريّ للمنظّمة في لبنان من العام 1988 إلى العام 2009، لعب دورًا مهمًّا خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. في بداية السّبعينيّات، شارك مع ضبّاط فلسطينيّين آخرين في التّدريب العسكريّ لناشطين من حركة المحرومين، الّتي سيُعرَف جناحها العسكريّ باسم أمل في 6 تمّوز 1976. وكان سلطان أبو العينين مسؤولًا أيضًا عن فتح في برج البراجنة خلال «حرب المخيّمات» بين أمل والفلسطينيّين في الفترة الممتدّة من العام 1985 إلى العام 1988. أمّا حسين الموسوي، المُلَقَّب بأبي هشام؛ فكان مقرَّبًا من الإمام موسى الصّدر في السّتّينيّات وأحد مؤسّسي حركة أمل. انفصل من الحركة في العام 1982 وأنشأ حركة أمل الاسلاميّة، الّتي أصبحت أحد المكوّنات الأساسيّة الثّلاثة لحزب الله. وهو لا يزال عضوًا مهمًّا في حزب الله وفي عداد مجلس شورى الحزب.

 

 

وشوشة بين الامام الصدر والمفتي قبلان والرئيس برّي

 

الأطر الجغرافيّة والجيوسياسيّة والسّياسيّة-العسكريّة الّتي ربطت الجماعتين وتنظيماتهما

 

في إثر الهزيمة العسكريّة الّتي مُنِيَتْ بها الجيوش العربيّة أمام إسرائيل في العام 1967(الحدث الّذي شاعت تسميته عربيًّا بالنّكسة)، قرّر الفلسطينيّون تحرير فلسطين بأنفسهم. اتّخذت منظّمة التّحرير الفلسطينيّة من الأردن ملاذها في البداية، تجلّى ذلك بوضوح في العام1968 في معركة الكرامة ضدّ القوّات الاسرائيليّة. بعد مغامراتٍ سياسيّة وأمنيّة عديدة، أعقبتها حربٌ مفتوحة مع الجيش الأردنيّ، طُرِدَتْ القوّات الفلسطينيّة من الأردن في إثر أحداث أيلول الأسود (1970-1971). فانتقل عديد قوّات منظّمة التّحرير الفلسطينيّة بمعظمه إلى لبنان وتحديدًا إلى جنوب البلاد بحثًا عن جبهة جديدة في مواجهة إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب انتشار قوّات الأمم المتّحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في الجولان السّوريّ المحتلّ من إسرائيل منذ العام 1974 وقرار حافظ الأسد بالوصاية على القوى الفلسطينيّة النّاشطة انطلاقًا من سوريا، تجمّدت الجبهة السّوريّة، ممّا فاقم النّزاع في جنوب لبنان وجعله مركزًا للصّراع الإسرائيليّ العربيّ. ومن العام 1970 إلى العام 1982، ازدادت حدّة العمليّات الّتي تنفّذها الفصائل الفلسطينيّة انطلاقًا من جنوب لبنان، كما ارتفعت في السّياق نفسه وتيرة الاجتياحات والغارات الاسرائيليّة المنفَّذة ضدّ قرى الجنوب سواءٌ تلك الّتي تُؤوي الفدائيّين (المقاتلين الفلسطينيّين) أو سواها. وشهدت مناطق العرقوب وراشيّا ولاحقًا بنت جبيل (جنوب لبنان) تزايدًا لمخيّمات التّدريب الفلسطينيّة، الّتي راحت تستقبل المزيد من المجنّدين، لتُعرَف سريعًا باسم «فتح لاند» (Malsagne et De Clerc, 2020, p 33 ; Seguin, 1988, p. 72-79 et 116-124). هكذا، يخبرنا سلطان أبو العينين عن وصوله إلى جنوب لبنان:

 

«وعدنا إلى لبنان عن طريق جبل الشّيخ عن طريق قرية سورية تُدعى عرَنة. وقد اختير الطّقس والمناخ المناسبين طبيعيًّا، كي ندخل إلى العرقوب في جنوب لبنان من دون أن نترك أثارًا أو بصمات. احتضننا جنوب لبنان بمسيحيّيه وسنّته وشيعته ودروزه. احتضنونا وكان يوصلون لنا طعامنا واحتياجاتنا إلى المغاور» (مقابلة مع سلطان أبو العينين، صيدا في 13 تشرين الثّاني 2019).

ad

 

خلافًا لهذا الإجماع الّذي شهد عليه أبو العينين، تأرجح سكّان جنوب البلاد (بغالبيّتهم الشّيعيّة) بين دعم القضيّة وبين استيائهم من تجاوزات بعض المسلّحين، وخصوصًا، بعد تصاعد الرّدود الإسرائيليّة الانتقاميّة والتّعسّفيّة وغير المتناسبة والمدمّرة بعنفٍ مفرط. وبالفعل؛ فقد شنّ الجيش الإسرائيليّ منذ العام 1968 هجماتٍ عديدة من أجل كسر المقاومة الفلسطينيّة، أسفرت عن خسائر بشريّة فادحة من دون جدوى. وقد أراد قبل كلّ شيء، وضع حدّ للدّعم الّذي يقدّمه سكّان الجنوب للفدائيّين. هذا بالإضافة إلى العديد من العمليّات السّرّيّة (Bergman, 2018)، نذكر على سبيل المثال عمليّة 11 أيّار 1970 حين دخل خمسة آلاف جنديّ إسرائيليّ إلى جنوب لبنان لتدمير المغاور الّتي يتحصّن فيها الفلسطينيّون. في مواجهة تقاعس الدّولة اللبنانيّة، الّتي لم تحرّك ساكنًا في مواجهة هذه العمليّة، صَرَّحَ الإمام موسى الصّدر في اليوم التّالي لجريدة المحرّر:

 

«لأنّ الدّولة لم تتصرّف على أساس أنّنا مجتمع حرب…حتّى ولا مجتمع دفاع؛ فالمجتمع اللبنانيّ بحاجة لأن يصبح مجتمع حرب لمواجهة المعركة المصيريّة الّتي تواجهه…يجب تأمين سلامة الأطفال والنّساء وتأمين وسائل العيش…يجب تسليح الشّعب وتدريبه ليكون القوّة الّتي تدعم القوّة النّظاميّة وتساعدها في المعركة…لماذا لا نبني قرى مسلّحة ومحصَّنة في الخطوط الخلفيّة تدعم الخطوط الأماميّة في مواجهة أيّ عدوان؟ لقد ناشدنا طويلًا جميع المسؤولين…وهذا هو ندائي الأخير… لبّوا النّداء قبل فوات الأوان».

 

في 15 أيّار 1970، شَرَعَ الإمام موسى الصّدر في تأسيس هيئة نصرة الجنوب لحشد أكبر عدد ممكن من القادة الرّوحيّين والزّعماء السّياسيّين من كلّ الطّوائف لمواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة على جنوب البلاد. ومن بين أعضاء الهيئة، يمكن أن نذكر البطريرك الماروني أنطونيوس خريش وقاضي المذهب الدّرزيّ في حاصبيّا الشّيخ نجيب قيس، ومفتي صيدا السّنّيّ الشّيخ محمّد سليم حمّود. ومع ذلك، وعلى الرّغم من دعمهم المعنويّ والسّياسيّ والدّينيّ، لم يكن بوسع هؤلاء القادة توفير الحماية والدّعم العسكريّ للجنوبيّين كما توقَّع الإمام موسى الصّدر.

 

في 22 أيّار 1970، أدّى هجوم إسرائيليّ على بنت جبيل وثلاث قرى أخرى في الجنوب إلى مقتل ثلاثة عشر شخصًا وإصابة اثنين وثلاثين آخرين، وتدمير ثلاثة وثمانين منزلًا. وأجبرت الاشتباكات العنيفة أيضًا ما بين عشرين إلى أربعين ألف من سكّان الجنوب على الفرار من منازلهم واللّجوء إلى حزام البؤس البيروتيّ، أو إلى أقاربهم في قرى الجنوب الآمنة أو في البقاع. وتسبّبَت هذه العمليّات الإسرائيليّة بنزوح معظمّ سكّان بنت جبيل وعيترون وكفرشوبا وراشيّا الفخّار وكفرحمام. في 26 أيّار 1970، نظّم الإمام موسى الصّدر إضرابًا عامًّا دعا إليه المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى استنكارًا لأسلوب اللّامبالاة والغياب التّامّ وعدم الاكتراث أمام الخطر المحدق وتخلّي الدّولة عن الجنوب. ردًّا على الإضراب الّذي نظّمه المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى، أنشأ مجلس النّوّاب اللبنانيّ في 2 حزيران 1970 مجلس الجنوب، برأسمال يبلغ ثلاثين مليون ليرة. وكلّفه إيواء النّازحين وتعويضهم. وقد شَلَّت عمل المجلس، الّذي ترأسّه في البداية محمّد شعيتو، التّوتّرات المتفاقمة بين الإمام موسى الصّدر وكامل الأسعد النّائب والزّعيم التّقليديّ في الجنوب اللبنانيّ وأداؤه البيروقراطيّ وقلّة الدّعم الّذي نالته قضيّة الجنوب من الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة.

ad

 

خلاصة:

 

هكذا، اقترح الإمام موسى الصّدر العديد من المشاريع على الحكومة والجيش اللبنانيّين بغية تعزيز القوّات المسلّحة النّظاميّة وتشكيل ميليشيات شعبيّة مستقلّة في قرى الجنوب. وكان منع تهجير سكّان جبل عامل وإحباط المخطّطات الاسرائيليّة في مياه اللّيطاني نقطتين أساسيّتين في رؤية الإمام موسى الصّدر وعمله. أمام تقاعس الدّولة وأغلبيّة الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة، اتّجه الإمام موسى الصّدر نحو فتح وياسر عرفات، وفقًا لشهادة حسين الموسوي، الّذي كان إلى جانب مصطفى شمران واحدًا من المسؤولين الرّئيسيّين عن التّدريب العسكريّ لمقاتلي حركة المحرومين في البقاع:

 

«بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة، تبلورت فكرة الإمام الّذي كان مقتنعًا بأنّ ما أُخِذَ بالقوّة لا يُسترَدُّ إلّا بالقوّة…لذلك، قمنا بتدريب مقاتلينا بدعم ياسر عرفات في جرود الهرمل وبعلبك وبريتال على وجه الخصوص. وبدأنا نحصل على سلاح خفيف وبنادق كلاشينكوف وسيمينوف، وأشياء من هذا النّوع. وبدأنا نقوم بعمليّات في جنوب لبنان، كان ينفّذها شباب من البقاع والجنوب وبيروت» (مقابلة مع حسين الموسوي، بيروت في 4 كانون الأوّل 2019).

 

ستتناول المقالة التّالية سِمات هذا التّقارب، الّذي عَرَّفَه الإمام موسى الصّدر بالتّحالف بين المحرومين على أرضهم (الشّيعة) والمحرومين من أرضهم (الفلسطينيّين).

 

(ترجمة: يونس زلزلي – دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة وجامعة غرينوبل ألب الفرنسيّة).

 

 

 

* نُشر في 15 مارس 2021 من دفاتر المعهد الفرنسي للشّرق الأدنى – L’Ifpo

 

 

* نُشر في 15 مارس 2021 من دفاتر المعهد الفرنسي للشّرق الأدنى – L’Ifpo