القيادي «المستقبلي» مصطفى علوش يدقّ ناقوس الخطر: المطلوب خطة إنقاذية لاحتواء الجوع قبل «الآتي الأعظم»
رلى موفّق
قبل أن يحل فيروس «كورونا» زائراً ثقيلاً على لبنان والعالم ليضيف إلى واقع اللبنانيين أزمة جديدة فوق أزماتهم المالية – الاقتصادية، كان ثمَّة نقاش سياسي قد بدأ في البلاد حول مآل لبنان الغد، صيغة ونظاماً ودستوراً و«طائفاً» وتركيبة مجتمعية، كنتيجة طبيعية لخروج السنّة أو بشكل أدق، لإخراجهم، من المعادلة الوطنية، في استكمال لانقلاب تحالف «الثنائي الشيعي – تيار عون» على «الحريرية السياسية» ببُعديها الداخلي والخارجي.
كان النقاش يدور حول أن المعادلة الوطنية لم تختلّ فحسب، بل أصيبت مقتلاً، وأن حدة الأزمة المالية – النقدية – الاقتصادية التي ستُدخل لبنان في الانهيار الشامل ستؤدي إلى انفجار مِن شأنه أن يرسم واقعاً مختلفاً سيفضي إلى معادلة جديدة، إلا أن بروز أزمة «كورونا» أخّرت هذا الانفجار المحقق.
بالأمس، كتب الكاتب والمُفكّر رضوان السيّد عن «خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية»، مقدماً قراءته/ محملاً سعد الحريري جزءاً من المسؤولية، ولا سيما انخراطه في «التسوية الرئاسية» مع عون، معتبراً أنه ربما ما كان سعد الحريري ليستطيع مواجهة كل هذه التحديات، لكنّه كان يستطيع أن يكسر قلمه ولا يستخدمه في الإعانة على الهدم لما قام به الآباء والأجداد. وتحدّث المعارض فارس سعيد عبر «تويتر» عن أن «لبنان على أبواب «انتفاضة سنيّة» لا تشبه بخطورتها شيئاً نعرفه… أخطر من أزمة كورونا وأزمة المال مجتمعتين».
جاء الردّ من المستشار الإعلامي للرئيس سعد الحريري، حسين الوجه «لمن يُنصّبون أنفسهم متحدّثين باسم أهل السنّة» ليتضمن قراءة سياسية بأن «السنّة في لبنان وقيادتهم السياسية لم يخرجوا من المعادلة الوطنية، وأن هذه أكذوبة يُروّج لها فريق من الخوارج الذين يراهنون على إسقاط المعادلة الوطنية على أيدي أهل السنّة وجرّ البلاد إلى فوضى عارمة تأكل الأخضر واليابس(…) والذين يُنصّبون أنفسهم متحدثين باسم أهل السنّة ويبشّرون بانتفاضة سنية، لا تشبه بخطورتها شيئاً، يلعبون في مكان ما بالنار».
لم يكن المفاجئ الرد شكلاً، بل مضموناً واعتباره أن «السنّة في لبنان وقيادتهم السياسية لم يخرجوا من المعادلة الوطنية». فهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن ثمة قصوراً مريعاً أو تعامياً مقلقاً لما حصل ويحصل وغياباً قاتلاً للرؤية.
المطلوب 150 ألف وحدة غذائية للمناطق السنيّة… والإمكانات الشخصية لقياداتها قادرة على تأمين 10 ملايين دولار للبدء باحتواء الوضع
على أن القلق الأكبر، لم يعد اليوم، في خروج السنّة من المعادلة الوطنية، على رغم تداعياته الخطيرة، بل في ما عبّر عنه أحد أبرز أركان «تيار المستقبل» – المخلص دومـاً لخط الحريرية السياسية – مصطفى علوش من «خروج القيادات السنيّة من المعادلة الاجتماعية». قول علوش يُشكل جرس إنذار من قلب «أهل البيت» بعيداً عن تهمة «الخوارج»، ويتطلب تحركاً جدياً من باب المسؤولية الاجتماعية والوطنية على السواء.
برأيه أن «النُخب السنيّة القادرة تاريخياً وسياسياً منذ ما قبل الحريري وما بعده تتصرّف من دون فعل، وهي في حال انتظار. وإشكاليتها الأساسية الآن غيابها التام ليس عن السياسة فحسب، بل عن الناس والمجتمع والدعم الذي عليها أن تقدمه بفعل أزمة كورونا المرافقة للأزمة المالية». ما يقوده إلى إبراز مخاوف جدّية من أن نرى خلال أيام أو أسابيع خروج الناس في المناطق السنيّة بالرغم من وجود فيروس «كورونا» لأن ما عاد لديها طعام لعائلاتها.
ويُضيف: بخلاف ما تقوم به قيادات الطوائف الأخرى في مناطقها، فإن هناك نوعاً من الأنانية المُرعبة عند القيادة السنيّة بمختلف أشكالها. هي عقلية أهل المدن، التجّار الذين يقولون: «خلّيني ضُبّ حالي بهذا الوقت حتى تمر العاصفة».
من هنا، يذهب إلى القول إن «القيادات السنيّة خرجت أولاً من المعادلة الوطنية، واليوم خرجت من المعادلة الاجتماعية الصغيرة والتي هي معادلة أهل السنّة. وهذا سيؤدي إلى مزيد من الضياع على مستوى البيئة السنيّة، لأن الناس مثل أي منظومة من الكيانات، تحتاج إلى قيادة وإلى أناس يتدبّرون أمورها، وهذا الدور غير متوفر راهناً ومفقود نهائياً».
لا يمكن للمرء التكهن بسوء المشهد المنتظر، حين ينفلت الشارع، ويعمّ الشغب. «لكن ثمة خطوات سريعة ممكن البدء بها»، يقول علوش «لإعادة نوع من التوازن إلى عقول الناس لتفادي الأعظم الآتي»، وهي تأمين 150 ألف وحدة غذائية تُوزّع على بيوت الناس، بيتاً بيتاً اليوم قبل الغد، على أن تتداعى القيادات السياسية السنيّة المعروفة، والتي لعبت دوراً سياسياً وتلعب الآن، للمباشرة بخطة إنقاذية لدعم المناطق السنيّة. فتلك القيادات قادرة من خلال إمكاناتها الشخصية على تأمين عشرة ملايين دولار والبدء بالعمل على احتواء الوضع. هذه القيادات القادرة على التداعي والإعلان عن خطة إنقاذيه هي: سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام وبهية الحريري وفؤاد مخزومي. وحينها يفتحون الباب للناس متوسطي الثروات للانضمام إلى المشروع لتأمين الدعم للناس في هذه المرحلة.
أوليست هناك من خططٍ بديلة إذا تقاعست تلك القيادات؟
يُجبب: «خارج هؤلاء، الكل يبقى قاصراً، سواء المجتمع المدني أو الجمعيات الأهلية، وحتى الاغتراب السنيّ الذي لديه عقلية تجّار المدن. فمن يتحرّكون هم مَن لديهم مشروع سياسي للزعامة».
إنه واقع حزين أن تصل أمور «أهل السنّة» إلى هذا الدرك، وأن تتوالى فصول الاستقالة من الواجبات الاجتماعية والإنسانية والسياسية في البلاد. ما زال بالإمكان الاستدراك من السقوط التام، فحينها لن يكون بمقدور تلك الزعامات السياسية تعويم نفسها مجدداً، بعدما تكون قد سقطت في الامتحان ضمن بيئتها الصغيرة!.