قمم «الرياض» التي حضّرت لها ودعت إليها، المملكة العربية السعودية، فأطلت على المنطقة وعلى العالم من خلال مهرجان سياسي دولي الطابع، توجهت إليه كل الإهتمامات، إنطلاقا من حجمه العملاق وأهمية جدول أعماله، واحتوائه ستة وخمسين دولة إسلامية، باستثناء دولة واحدة هي إيران، التي اختارت لنفسها موقعا طائفيا وعنصريا منعزلا، وحوّلت أهدافها إلى تناول العالم العربي بجملة من المطامح والمطامع، وأطلقت في عدد من دول المنطقة جملة من ميليشياتها التي مثلّت اليد المسلحة التي أسستها لتكون وسيلتها للسيطرة على جملة من الدول والممرات الأرضية التي توصلها إلى شاطىء البحر المتوسط وفقا لما هو معلوم.
لا بد من الإشارة أولا، إلى المستوى المميز الذي عُقِدَ المؤتمر في إطاره، مؤكدين على نجاحه الباهر الذي أبرز جملةً من الوقائع والنتائج، بينها:
– الإضاءة الساطعة على مكانة المملكة العربية السعودية وتاثيرها البالغ على امتداد العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي مكّنها من تأمين هذا الحشد الكبير من الدول العربية والإسلامية، بحضور ومشاركة الرئيس ترامب مما شكّل حدثا دوليا لا سابق له.
– التأكيد على حصول انقلاب جذري في الموقف الأميركي مناقض تماما لموقف حكومة أوباما الذي أدّى إلى خروج الولايات المتحدة من معظم مناطق نفوذها في العالم بما فيه منطقة الشرق الأوسط، وإلى تراجعها المريع عن مكانتها المعنوية كزعيمة للعالم الحر، وكدولة هي الأولى في العالم بكل المقاييس الأمنية والعسكرية والإقتصادية والمعنوية، مع الإشارة إلى أن الموقف الجديد لترامب قد انطلق من الرياض في خطوات عملية وعملانية راسخة في أساسها وباهرة في طريقة إظهارها للعالم.
– لئن كان موضوع الإرهاب قد لقي اهتماما رئيسيا في العديد من الكلمات التي ألقيت، وبشكل خاص خطاب الرئيس الأميركي، فإن الإهتمام بالوضع الإيراني والدور الإقتحامي الذي تقوم به إيران إنطلاقا من استهدافات ومطامع في الارض العربية قد طاول صُلبَ التحسبات العربية والإسلامية حيث أن إيران ما زالت تسعى إلى استكمال سيطرتها على ما أمكنها من أراضي البلدان العربية التي توصلها إلى البحر المتوسط.
– يلفت النظر، الإتهامات الإعلامية والرسمية في المواقف الأميركية المختلفة، بأن ما يقوم به الحوثيون والمخلوع صالح هو انقلاب على السلطة الشرعية اليمنية وأن هؤلاء هم انقلابيون يفرضون وجودهم بالقوة المسلحة، ويقتضي أن يردعوا أنفسهم عن أعمالهم الخارجة عن القوانين الدولية نصوصا وأعرافا، وإلاّ فأنهم سيواجِهون أوضاعا ردعية مختلفة، وقد تضمنت كلمة الرئيس الأميركي إظهارا لدور إيران التخريبي من خلال التلاعب باستقرار المنطقة، كما تضمّن البيان الختامي تأكيدا على إدانة التصرفات الإيرانية وخرقها المستمر لإتفاق ڤيينا وللعلاقات الدبلوماسية. ويشكل كل ذلك جزءا من تطورات مرتقبة تجاه إيران والحرب التي تقودها عمليا في اليمن.
– كانت لافتة إشارة الرئيس ترامب إلى الدور الذي يلعبه الجيش اللبناني في حماية الحدود اللبنانية من الأخطار الداعشية ومحاولات اختراق الحدود اللبنانية للقيام بالأعمال الإرهابية في الداخل اللبناني، كما كان لافتا التشديد على وجوب معاقبة كل الممولين والمتورطين في تبييض الأموال ونقلها والإتجار بالممنوعات من قبل الميليشيات التابعة لإيران.
– لقد تعاملت الولايات المتحدة مع قمم الرياض، وخاصة منها قمة الدول الإسلامية على أساس أنها تكتل عربي إسلامي كبير، ينطلق من قلب البلاد الإسلامية النابض، الرياض، وليس كدولٍ يأتي رئيس كل منها منفردا إلى واشنطن لمحادثات ذات مستوى محدود ونتائج محدودة.
– من متابعة الزيارات العربية التي سبقت الدعوة إلى القمم الثلاث، والتي أسهمت إلى حدّ كبير في إحداث الإنقلاب الأميركي، تبرز جهود واسعة قام بها رؤساء عرب ومسلمون، يأتي في طليعتهم كل من الرئيس المصري والملك الأردني، وبشكل خاص، يلحظ الدور الكبير الذي قام به وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان محور الفعاليات السعودية في داخل المملكة وخارجها بمعاونة رتل من المسؤولين والخبراء السياسيين والإقتصاديين الشبان، برز منهم بشكل خاص، وزير الخارجية السعودي وسفير المملكة العربية السعودية في واشنطن والذين شكّلوا «لوبي» سعودي، إقتحم الأسوار، وأدّى إلى هذا التحول في الموقف الأميركي الذي سبق أن برز من خلال مداخلات عسكرية لواشنطن على الساحة السورية، كان من نتائجها قطع الطريق التي جهدت إيران لشقها عسكريا، وفرضها كأمرٍ واقع لتحقيق الممر الذي خططت له وصولا إلى شاطىء المتوسط، ولئن كان الموقف الأميركي العدائي تجاه إيران واضحا ومحددا منذ بروز الرئيس ترامب كمرشح ذي شأن للرئاسة الأميركية، فهو قد ترسخ واتخذ خطوات عملية محددة ومبرمجة وستبرز نتائجها العملانية بخطوات لاحقة بما يضع حدا لسلبيات كثيرة سببتها سياسة الرئيس أوباما وتركت الساحة شرق الأوسطية مجالا فسيحا لعبث كلٍّ من إيران وروسيا وتجاوزهما العسكري والمعنوي لهيبة ونفوذ الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة والعالم.
– السؤال الهام والرئيسي المطروح: ما الذي يتوقعه الفريق العربي الإسلامي من هذه القمم؟
– هي تصب في إطار سعي دؤوب إلى الإبتعاد عن تهمة الإرهاب المدسوسة التي ألصقت بهم بما يخالف ويناقض روح الإسلام السمحة وحقيقة المسلمين الوسطية والإعتدالية، ويبد أنها كانت خطوات ناجحة في الإتجاه الصحيح والناجح.
– كان لافتا ما قام به العاهل السعودي من شرح لكيفية التعامل مع فنجان القهوة عن طريق تحريكه وهزّه إشارة إلى الإكتفاء من تناولها، ولعل في ذلك رمزا لما كان حاصلا في الرياض من هزًّ وتحريك لأوضاع المنطقة بعد أن أصبح وضع حدٍّ للعبث بأوضاعها الأمنية والسياسية مطلبا عربيا وإسلاميا ملحّا.
– قمم الرياض الثلاث تشكل في الواقع، فرصة نادرة للعرب والمسلمين ليعودوا إلى تكاتف وتضامن حقيقي وفاعل يقيهم من الأخطار الوجودية والتآمرية الهائلة التي تواجههم في هذه المرحلة العصيبة، آملين أن تلقى الظروف المناسبة لنجاحها في بلادهم وفي داخل الولايات المتحدة، حيث ما زال ترامب يعاني من مصاعب ومُعيقات داخلية، وحيث يؤمل أن يجيء مشروعه المقبل لحلّ القضية الفلسطينية في إطار مقبول دون أن يشطح إلى اقتراحات ربما كانت مرفوضة عربيا وإسلاميا، مما قد يشكل عثرة هامة أمام نتائج قمم الرياض الإيجابية.