لم يظن للحظة منظمو حملة «طلعت ريحتكن» ان يتخذ تطور الامور المنحى الذي اتخذه ، وملامسته حدود الانفجار الكبير مع انفلات زمام الامور من يد الجميع ، مع تحول القضية من ايجاد حل للنفايات الى قضية اسقاط النظام والمؤسسات وما بينهما من مطالب تكاد لا تنتهي. مطالب رغم احقيتها تبقى محكومة بظروف البلد والفراغ الذي يعاني منه ، والمحمي بمظلة دولية – اقليمية تحكم مسار التطورات فيه الى حد بعيد.
وفيما ارتسمت في افق اليوم الجديد بعد المواجهات ، ملامح سباق بين المحاولات السياسية لاحتواء الموقف وبين الإمعان في التجييش السياسي للناس من أطراف في الحكومة، أوحى تضخّم التظاهرات في اليومين الاخيرين بوجود قطب مخفية بحسب مصادر 14 آذار مع انكشاف محاولات استغلال تحرك المجتمع المدني لتصفية حسابات سياسية وربما دفع الأمور نحو منزلقات خطرة ترتبط بالتحولات في المنطقة، بينت احداث الايام الماضية سلسلة من الوقائع لعل ابرزها:
– افتقار التحرك الاحتجاجي للمجتمع المدني الى القيادة والتنظيم ،مع خروج المبادرة من يد «طلعت ريحتكن»، ونجاح قوى حزبية بالتناوب على احتواء التحرك وحرفه عن مساره الذي بدأ من مسألة النفايات وانتهى الى محاولة فرض امر واقع جديد يقوم على اسقاط النظام كل المؤسسات والذهاب الى «دوحة ثانية»، وعجز الداعين للحركة، الذين تظاهروا بداية دون الحصول على ترخيص قانوني وفقا للقوانين المرعية الاجراء وفشلهم في تلبية الشروط التي فرضها قانون التظاهر، عن الوفاء بالتزاماتهم وتعهداتهم تجاه القوى الامنية ، والذي ادى الى حصول اكثر من اشكال بين المتظاهرين والمنظمين، بلغت حد عدم عقد «طلعت ريحتكن» لمؤتمرها الصحافي.
– دفع التحرك في المقابل رئيس الحكومة الى التشبث بموقفه المستجد وقراره في خوض المواجهة المزدوجة ، على الخط الحكومي مع اصراره على عقد جلسة الخميس والسير بالقرارات بمن حضر، وفي الشارع من خلال قرار واضح بمواجهة «الشغب الحزبي»، بعدما بلغت الامور حدودا خطيرة ، اتخذ مساء طابعا طائفيا، بعدما تمادى المشاغبون في التكسير والحاق الاضرار بالاملاك الخاصة والعامة ، وصولا الى اشارات السير وكابلات الكهرباء والارصفة والسيارات وواجهات المحلات وكل ما طالته ايديهم.
– اثبت النتيجة الاولية ان ما حصل لا يمكن «تقريشه « في السياسية ، خاصة مع انتهاء الامور بالشكل الذي افضت به مع مساء الاحد بعد يومين من الشغب وانفلات الاوضاع، ذلك ان الرد على ما كانت تشهده ساحة رياض الصلح جاء من خارج بيروت مع نزول مواطنين سنة الى الطرقات حيث عمدوا الى حرق الدواليب واقفالها ، دعما لرئيس الحكومة ، «بقبة باط» واضحة من القوى الفاعلة بعدما وصلت كلمة السر بعدم جواز اسقاط الحكومة تحت اي ظرف من الظروف ، وهو الامر الذي اعاد توازن الرعب الى الساحة، مع تحول الاحد الى يوم الهجوم على السراي السني، فيما كان يوم السبت يوم الهجوم المسيحي على السراي السني والمجلس الشيعي.
– اكدت التطورات الميدانية فشل المجتمع المدني الذريع اذ تبين، بحسب ما بينت المقارنة بين اليوم الاول للتحرك الذي لم يحشد اكثر من سبعين شخصا وما حصل السبت والاحد ، ان اي تحرك لا يمكن ان ينجح او يحشد له ما لم «تتبناه» جهات حزبية سواء علنا او بشكل مبطن ، وبالتالي انحراف المطالب الاجتماعية عن سكتها لتتحول الى سياسية، وما تجربة الامس وقبلها في السابع من ايار 2008 الا دليل واضح على ذلك.
– لم تكن أعمال الشغب التي دارت فصولها في شوارع العاصمة بيروت، وليدة ساعتها، بل تكشف تباعا مما افرزته تطورات الساعات الاخيرة ان المواجهات والفوضى غير بريئة، والارجح انه تم التخُطيط مسبقا لها، في انتظار المكان والزمان المناسبين لتفجيرها، وجاءت التحركات الاحتجاجية على تراكم النفايات والتقاعس الرسمي عن ارساء حلول جذرية لها مثابة «شحمة عافطيرة»، لتكمل حلقات السيناريو المرسوم.
– بينت التحركات التي فاجأت في اكثر من مكان القوى الامنية وجود اختراقات جدية وثغرات في الموضوع الامني ، خاصة انه لامس الخطوط الحمر في منطقة تتمتع بخصوصية شديدة وحساسة في ظل تواجد عدد كبير من السفارات والمقرات الرسمية والدولية ضمنها، من نجاح المتظاهرين في مباغتة شرطة مجلس النواب والوصول الى مسافة قريبة جدا من مداخل المجلس، مرورا باعتماد المتظاهرين اسلوب «اسر» عناصر عسكرية والسيطرة على اسلحتها الاميرية، في مناطق تعد بعيدة نسبيا عن مكان المواجهات، وصولا الى الطائرة من دون طيار التي نجحت مجموعة «اوميغا تيم» التابعة للتيار الوطني الحر في اطلاقها في سماء المنطقة وصولا الى تحليقها فوق السراي ورميها لمناشير كتب عليها «لغير الخالق ما منركع».
– الغياب الكامل للجيش عن الساحة حتى منتصف ليل الاحد مع انتقال شرارة الاحداث الى مناطق حساسة ، حيث تدخل الجيش بقوة بعدما كانت وضعت كافة وحداته بحال الاستنفار وتم استدعاء العسكريين من اجازاتهم.وعلى هذا الصعيد اعتبرت مصادر مطلعة ان الرابح الوحيد حتى الساعة مما حصل هو العماد جان قهوجي، خاصة في ظل مطالبة بين المتظاهرين بتشكيل حكومة عسكرية انتقالية.