Site icon IMLebanon

التحركات في الشارع معلّقة: لا إطار موحداً ولا مطالب مشتركة

كما في صيف عام 2015، فشلت الأحزاب والمجموعات المشاركة في التحركات ضد «الضرائب التي تصيب الطبقات الفقيرة والمتوسطة» في بناء «توافق» الحد الأدنى؛ فلا إطار تنسيقياً موحداً، ولا مطالب مشتركة، ولا مفاوضات مع السلطة، ولا مواعيد لاستكمال التحركات المقبلة… هذه هي حصيلة الاجتماعات الماراتونية التي انتهت أول من أمس

عقدت الأحزاب والمجموعات التي شاركت في تظاهرة الأحد “ضد الضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة” سلسلة اجتماعات، انتهت أول من أمس. تمحورت المداولات حول: 1- تقييم التظاهرة.

2- المطالب. 3- التفاوض مع الحكومة والردّ على دعوة تلفزيون الجديد لإجراء مناظرة علنيّة مع رئيس الحكومة سعد الحريري. 4- التحركات المقبلة. جرت نقاشات مطوّلة لهذه البنود الأربعة، وظهرت تباينات وتناقضات واسعة بين المشاركين، فانتهى الأمر إلى لا شيء: يبقى الأمر على ما هو عليه. كل حزب أو مجموعة تصدر مواقفها ومطالبها الخاصّة وتنظّم تحرّكاتها ونشاطاتها باستقلاليّة… ولا تنخرط في عمل جامع إلا في سياق ردّ الفعل على حدث ما أو قرار ما في مواجهة الحكومة ومجلس النواب.

حُسمت كل البنود في الاجتماع الأخير في مقر الجمعيّة اللبنانيّة لديمقراطية الانتخابات، والذي استغرق أكثر من ساعتين، وضمّ نحو 50 شخصاً يمثلون طيفاً واسعاً من الاحزاب والحركات والمجموعات. بحسب مشاركين في الاجتماع، كان هناك نيّة مُسبقة لدى الغالبية لرفض أي إطار موحّد للتنسيق والعمل، وجرى الاتفاق على أن تستكمل كلّ جهة نشاطاتها الخاصّة. في هذا السياق، بدا أن هناك شبه إجماع على أن تظاهرة الأحد حقّقت الهدف المرجوّ منها، وقد تبلور ذلك بردود الفعل عليها من قبل رموز السلطة.

تقول مصادر الاجتماع أن الحيّز الأكبر من النقاش كان حول التفاوض مع الحريري. اقترح “المرصد اللبناني لحقوق العمال والعاملات” وحركة “مواطنون ومواطنات في دولة” وضع لائحة بالحلول المُمكنة لتمويل السلسلة، وتشمل فرض ضرائب على المضاربات العقاريّة والمصارف، إلّا أن الجوّ العام كان ضدّ التفاوض مع السلطة؛ ويقول أمين عام حزب الكتائب باتريك ريشا إن “المطالب واضحة، وعلى السلطة القيام بمبادرة حلّ، مش شغلتنا نقدّم حلول، نحن حدّدنا مكامن الهدر والفساد وعليها أن تتحرّك”. لا يبدو موقف الكتائب لناحية رفض التفاوض مختلفاً عن رأي المجموعات الأخرى. يقول مروان معلوف (من أجل الجمهوريّة) إن “تجربة الحوار مع السلطة غير مشجّعة، فنحن قدّمنا حلولاً في عام 2015 واتفقنا معها على خطط بيئيّة، لكن لم ينفّذ أيّ منها، وتالياً لن نكرّر أخطاء الحراك نفسها”، فيما يشير أحمد الحلاني (بدنا نحاسب) إلى أن “الدولة مُلزمة بتقديم البدائل، وأن تحدّد الموارد الضريبيّة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب”. في المقابل، يرى وديع الأسمر (طلعت ريحتكم) أن المبادرة المطروحة غير مكتملة المعالم وغير محدّدة الشروط، لكون المطالب معروفة، و”طوشناهم فيها”، ويضيف الأسمر: “التفاوض يجب أن يكون على حلول بديلة ومع الحكومة كلّها”.

تقول المجموعات إنها حقّقت مطلبها الأساسي بمنع السلطة من فرض ضرائب على الفقراء والطبقة الوسطى

شبه الإجماع الذي ناله طرح التفاوض مع السلطة، لم ينسحب على الخروج بمذكرة مطالب محدّدة وموحّدة. في مناقشات هذا المحور ظهر التباين الأكبر في المواقف، فعلى ماذا نتفاوض مع السلطة؟ المواقف الوحيدة الواضحة حيال فرض الضرائب على أرباح المصارف والمضاربات العقارية، تبنّاها كلّ من الحزب الشيوعي، واتحاد الشباب الديمقراطي، وبدنا نحاسب، ومواطنون ومواطنات في دولة، وطلعت ريحتكم، ومن أجل الجمهوريّة، في حين حصر حزب الكتائب مطالبته بفرض ضريبة على “الأرباح الخياليّة التي حقّقتها المصارف من الهندسات الماليّة”، بحسب ما يشير باتريك ريشا، فيما رفض حزب الأحرار تحويلها إلى مطلب كامل المجموعات، باعتبار أن “هناك خلافاً على السياسة الضريبيّة الواجب اتباعها، ومن المفضّل حصر المواجهة بالضرائب المُتفق على رفضها، أي التي تطال الفقراء”. أمّا حزب سبعة، وبيروت مدينتي، وحركة 14 آذار مستمرون، فلم يعلنوا أي موقف منها. يقول جاد داغر، أحد مؤسّسي حزب “سبعة”، إن “السلطة فقدت صدقيّتها، ونحن لا نثق بها، حتى ولو كانت الضرائب التي تقترحها محقّة، إضافة إلى أننا كحزب ننبذ الخطاب الطبقي، ولا نطالب بفرض ضريبة على المصارف باعتبار أنهم يملكون الأموال، نحن مع الضريبة التصاعديّة التي تحقّق العدالة الاجتماعيّة”، فيما عبّرت حركة 14 آذار مستمرون عن موقفها في بيان، صدر أمس، ولم تلحظ فيه هذه الضرائب، بل شدّدت على “الحدّ من الهدر والفساد لتمويل السلسلة”. من جهته، حاول الحزب الشيوعي واتحاد الشباب الديمقراطي صياغة موقف من المسألة الضريبيّة يقبله الجميع، فتخلى ممثلوه عن طرحهم الأساسي بدعوة المجموعات والأحزاب الأخرى الى تبنّي “البيان الوزاري البديل” الذي أعلنه الحزب قبل مدّة، وصاغوا بياناً سقفه أخفض لتسويقه، يتضمّن رفضاً لأي ضريبة غير مباشرة وتبنّي للضريبة المباشرة التصاعديّة، ولا سيما على أرباح المصارف وشركات الأموال والقطاع العقاري، فضلاً عن مكافحة التهرب الضريبي والفساد، وتحصيل حقوق الدولة المسلوبة من استغلال الملك العام، ولا سيما الأملاك العامة البحريّة. لم تنجح هذه المحاولة، كما لم تنجح محاولات أخرى في السياق نفسه.

ماذا بعد 19 آذار؟ ترى المجموعات أنها حقّقت مطلبها الأساسي، أي “منع السلطة من فرض ضرائب على الفقراء والطبقة الوسطى”، وتالياً حقّقت “انتصاراً”. تتوجّه كلّ مجموعة لتنفيذ أجندتها باستقلاليّة. يقول وديع الأسمر من “طلعت ريحتكم” إنه “ليس هناك أي ضرورة للدعوة إلى تظاهرات دائمة، واستهلاك الناس بتظاهرات من دون أفق. التظاهر هو وسيلة وليس غاية، والآن هناك خطوات أخرى سنقوم بها، مثل شرح الضرائب والسلسلة”، فيما يشير مروان معلوف (من أجل الجمهوريّة) إلى أن “الهدف اليوم هو إبراز ما حقّقته المطالبة الشعبيّة بتعليق الضرائب، على أن يتمّ تنسيق الخطوات التاليّة مع المجموعات والناس”. ويشير أحمد الحلاني (بدنا نحاسب) إلى وجود “توجّه لخلق إطار تنسيقي مشترك بين المجموعات الأساسيّة المتقاربة لتنسيق الخطوات اللاحقة”. أمّا التصوّر الأكثر وضوحاً فيبقى لدى الحزب الشيوعي واتحاد الشباب الديمقراطي؛ يقول حسن يونس، نائب رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي، إن “التحرّكات مستمرّة في مناطق مختلفة للضغط باتجاه إقرار الضرائب على المصارف والريوع العقاريّة وإقرار السلسلة، على أن يترافق ذلك مع مناقشات مع المجموعات الأخرى على العناوين الأساسيّة لتحديد أطر التلاقي”.