IMLebanon

خطاب «ما بعد القسم»: طاقة متحرّكة للإسراع بالإنطلاق

انطباع أساسي يمكن الخروج به في اثر خطاب «ما بعد القسم» الذي ألقاه الرئيس ميشال عون بالأمس أمام الجموع التي أمّت القصر الجمهوريّ دعماً للعهد الجديد: ان الرّجل يعتزم الإسراع في التشكيل الحكوميّ، في مدّة معقولة من الوقت.

وبالتالي، على أصحاب المصلحة في التأخير أو التعجيل بالتشكيل، في الحالتين، الأخذ في الإعتبار هذه الطاقة المتحرّكة من رأس الدولة بهدف التسريع، فيلاقى الرئيس حيث يجب أن يلاقى، وتزال الحواجز من أمامه، ومن أمام التشكيل الحكومي، بالشكل المعقول للإقلاع بحمولة مقبولة، أو بوزن زائد «محتمل«.

رمزية «الخطابين»، واحد أمام المجلس، والثاني أمام الجموع، لها دلالات استثنائية في تاريخ مؤسسة الرئاسة في لبنان. ويمكن مقاربتها من زوايا نظر عدّة، وبمعايير مختلفة، فهي بمعيار الشرعية شيء، وبمعيار الفصل بين السلطات شيء آخر. يبقى أنّها تزوّد الرّجل بطاقة متحرّكة يخطئ من يكابر عليها، خصوصاً مع بداية العهد.

المزاوجة بين هذه الطاقة وبين منطق الفصل بين السلطات ليست على طول الخط بالشيء الميسّر، لكنّها الآن بالتحديد حاجة حيوية، ولا غنى عنها من أجل الإقلاع، من دون إطالة، ليس فقط بالحياة الحكومية، وانما بالعملية السياسية ككل، لاسيّما أن الرئيس الحكم، يتولى من الآن فصاعداً طاولة الحوار أو عملية ادارة الحوار الوطني بشكل عام.

يأتي كلام الرئيس عون مباشرة بعد كلام لزعيم «حزب الله» نقل فيه دلالة «الميثاقية» الى معنى أقرب لـ»المونة»، من دون أي تغطية دستورية، ولا لغة مؤسساتية: صبروا عليك كي تنال ما تريد في الحكومة الماضية، وعليك أن تصبر لنيل ما نريد في الحكومة العتيدة.

في المقابل، أخذ رئيس الجمهورية المسألة في اتجاه مختلف: اعادة وضع «الميثاقية» تحت سقف الآلية الدستورية، وبتحدّ قوي لأي «رأس ينوي خرق الدستور«.

ان كان لهذا الكلام مدلول سياسي مباشر، والأرجح أن له، فهو مدلول يطالب «بالسرعة الممكنة» التي أتى على ذكرها الجنرال في لحظة أخرى من كلامه بالأمس.

التحدي الآن ملاقاة الرئيس في طاقته التحريكية الهادفة الى الاقلاع بالعهد سريعاً، وعدم التباطؤ، في مقابل منطق «الصبر لارضاء كل مكونات الثامن من آذار» الذي سوّق له عملياً السيد حسن في كلامه الأخير.

المدخل الأول لهذه الملاقاة عدم رفع السقوف التعجيزية، والإقرار أولاً وآخراً بأن ثمّة من يشكّل الحكومة، وثمة من يتشكّل فيها، وثمة في نهاية الأمر تشكيلة ستتقدّم أمام المجلس النيابي، على أساس بيان وزاري لها، فيناقش البيان ثم تأخذ الحكومة الثقة. هذا هو المسار الدستوري، ولا يمكن «الخروج عنه بالتراضي»، ولسبب بسيط، وهو أن الخروج عنه لا يكفل التراضي، في حين أن التزام هذا المسار، وأوله أن ثمة من يشكل الحكومة، أي ثمة رئيس مكلف بالتشكيل مع رئيس البلاد، وثمة استشارات نيابية، ونصائح ومطالب من الجميع، من دون أن يكون الجميع في موقع تشكيلها، هو الذي يكفل انضاج التشكيلة، بأفضل ما يمكن – في الواقع الحالي لتوازن القوى الشكلي والفعلي – في أسرع ما يمكن.

هذا عن المسار الدستوري، وهو واضح، ولا يعني هذا التقليل من أهمية ما هو مطلوب سياسياً للاسراع في التشكيل، من دون أن يكون مقتضى دستورياً. ذلك أن السعي الى اشراك الرئيس نبيه برّي في «روحية التشكيل» أولاً، وفي صيغته ثانياً، فيه مصلحة أكيدة، ولأن فيه مصلحة أكيدة، ينبغي دائماً التشديد على «ثلاثية» ما يمثله الرئيس برّي الآن: فهو ليس فقط «من يفاوض بالنيابة عن الفريق الشيعي ككل»، بل هو رئيس تكتل نيابي يجد ثقله الشعبي الأساسي في جمهور حركة «أمل«، وهو رئيس للمجلس النيابي، ومعنيّ أساسي بعدم انهيار مؤسسات «الجمهورية الثانية«.