يُكَثِّف النائب جبران باسيل من طلّاته وقداديسه في بكركي، ومن خلواته مع البطريرك الماروني بشارة الراعي بحثاً عن ملجأ وحائط مَبكى، مستعيناً لهذه المهمّة بالختيار (أكتبها باحترام) والعرّاب والمؤسّس وولي النِعمَة الرئيس السابق ميشال عون، الذي أطاح بكلّ «العقبات» داخل بيته وتيّاره لِيُنَصِّبَ جبران باسيل وريثاً وحيداً أوحدَ على كلّ تاريخه العسكري والسياسيّ وربّما الاقتصادي والمالي. هذه شؤون عائليّة لا دخل لنا فيها، إنّما هي توطئة لما سيتبع. لنا الحق أن نسأل «شو عدا ما بدا» لكي تأكل دواليب باسيل من طرقات بكركي التي تقف بإصرار في خطّها التاريخي ضدّ تغيير هويّة لبنان وانهياره؟ هناك سؤال محوري لِفَهم الأمور، ماذا تريد إيران من «حزب الله»، وماذا يريد «حزب الله» من لبنان؟ هل يريد «الحزب» فعلاً رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة في هذا التوقيت؟ أم يريد تضييع الوقت لأسباب غير مرتبطة بلبنان ولا بمصالح شعبه؟ الكلّ يُجمِع أنّ السيّد حسن نصرالله هو «سَيّد» فريق الممانعة بكلّ أطيافه من «حزب الله» الى جميع الحلفاء. فهو لو أراد باسيل رئيساً للجمهوريّة الآن، لاصطفَّ الكلّ وأوّلهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجيّة. ولو أراد فرنجيّة رئيساً لاصطفَّ خَلفه الجميع وعلى رأسهم النائب باسيل.
هو إذاً يترك الجميع «يُبَرعِطون» في الوقت الضائع الى أن يأتي وقت الجَدّ ويَصفر «حزب الله» بالصفّارة بحسب تقويم إيران ومفاوضات النووي والنفوذ الاقليمي، وفكّ العقوبات الاقتصادية والتصنيفات الارهابيّة التي تلاحق الحرس الثوري وامتداداته الخارجيّة. وبانتظار قرار «حزب الله» يلتقي باسيل برئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفرنجيّه، ليبرهن «للحزب» أنّه لا يزال على قيد الحياة السياسيّة، وكأنّه يتعامى عن حقيقة أنّ «الحزب» يَغُضّ الطرف عن هذه اللقاءات لكي تحصل، ولو أراد العكس لما استقبل أحد منهم النائب باسيل.
هل تذكرون الكلام الأخير للرئيس عون وللهيئة السياسيّة في «التيّار الحرّ» وقد أكّدوا أن لا خلاص للبنان إلّا باستئصال الطبقة الحاكمة الفاسدة؟ (ربّما «التيّار» يقصد بالفساد والفاسدين «الكتائب» و»القوات» و»الأحرار» و»السياديّين» وليس من اجتمع ويجتمع بهم!!)
بالعودة الى حَجّ النائب باسيل الى بكركي، فقد بُحَّ صوت غبطته، ومنذ ما قبل ثورة تشرين 2019، وهو ينادي بخريطة خلاص البلد وعنوانها كلمتان، الدستور والحياد، فيما كان باسيل، ولا يزال، يستفيض ويستميت في الدفاع عن استراتيجيّة التكامل بين الدولة والمقاومة معتبراً أنّها الطريق الوحيد لحماية لبنان، طبعاً مع إشادته الدائمة بدور سلاح «حزب الله» في الترسيم البحري والدفاع عن لبنان.
أمّا خريطة طريق البطريرك لخلاص لبنان، بحسب عظاته وبيانات الأساقفة، للخروج من جهنّم تتلخّص بالتالي: انتخاب رئيس جمهورية فوراً، والبارحة قبل اليوم. تطبيق الدستور والطائف. تطبيق القرارات الدولية. لا سلاح في لبنان إلّا سلاح الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعيّة. لا أحد فوق القانون والمحاسبة مهما علا شأنه. جيش واحد لا جيشان. سلطة واحدة لا سلطتان. دولة واحدة لا دولتان. الحياد ثمّ الحياد ثمّ الحياد.
إِنْ قالَ الابنُ الضّال لأبيه البطريرك: «يا أبي قد خطئت الى الوطن وأمامك وسأعمل بخريطة طريقك»، فيكون الإبن الشاطر شاطراً، فيحضنه أبوه وتحضنه بيئته لأنّه كان مَيتاً فعاش وضالّاً فَوُجِد، وإلّا، يكون الولدُ متشاطراً متذاكياً على أبيه البطريرك ولن يستطيع أن يدخل ملكوت الوطن.
(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»