تثير الخلافات التي وقعت بين لوائح «17 تشرين» أو لوائح «التغيير» عشية تأليف القوائم الانتخابية، الخشية من تكرار المشهدية ذاتها حين سيجلس الفائزون من هذه اللوائح إلى طاولة واحدة في محاولة لتوحيد جهودهم. فالتناغم بين هؤلاء، هو حجر أساس عملهم في مجلس النواب ومفتاح نجاحهم وسرّ قوتهم وقدرتهم على إحداث أي فرق، وإلّا فإنّ الضجة والتصفيق اللذين رافقاهم ويرافقانهم منذ إعلان فوزهم، سيذهبان سدى… بدليل أنّ الدوائر الانتخابية التي شهدت تنافساً بين لوائح اعتراضية بسبب تعدديتها، لم تنجح في انتاج نواب «تغييريين» نظراً لحالة الاحباط التي أحاطت بالرأي العام وحالت دون تمكن اللوائح الاعتراضية من تحقيق أي خرق.
إلى الآن، يحاول النواب الخارجون من رحم انتفاضة 17 تشرين طمأنة مؤيّديهم والرأي العام، إلى أنّ العمل جارٍ لتقليص مساحة الخلافات والتباينات القائمة بينهم… ولكنّها بالنتيجة مهمة صعبة للغاية خصوصاً وأنّ هؤلاء أشبه بـ»طبق الفتّوش» الغارق بمكونات غير متشابهة وغير متجانسة، لا بل يكادون أن يكونوا «من كل وادي عصا»، وقد اعتادوا على أسلوب «المزايدة الاعتراضية»، وهي التي جعلت من بعضهم نواباً.
فعلياً، يمكن تعداد نواب «17 تشرين» على الشكل الآتي: مارك ضو، نجاة صلبيا، حليمة قعقور، فراس حمدان، الياس جرادي، ميشال الدويهي، ملحم خلف، ابراهيم منيمنة، وضّاح الصادق، بولا يعقوبيان، سينتيا زرازير، ياسين ياسين، شربل مسعد ورامي فنج. ولكن ما من قاعدة واحدة قد تحدد طبيعة العلاقة التي تجمع بينهم، ولو أنّ بعضهم سبق أن جمعتهم تجارب مشتركة. ولذا، يمكن القول إنّ ضو، صليبا، قعقور، الدويهي، خلف، منيمة، الصادق، يعقوبيان، زرازير، هم الأكثر قدرة على الالتقاء والتفاهم، أقلّه حول العناوين العريضة. ولذا، كان الحوار بين هؤلاء أسرع في ديناميكيته من «خطوط» أخرى.
ولكن على مقدار حاجة هؤلاء إلى صياغة إطار جامع يحميهم من شرّ السقوط في الخلافات القاتلة وفي مطبّات إغراءات السلطة، فهم يعانون من «فوبيا» التعاون مع أي من القوى السياسية الأخرى خشية احتراقهم سريعاً أمام الرأي العام، ولذا لا يزال هذا الأمر قيد النقاش بينهم وسط تعددية في الرأي وفي المقاربة خصوصاً وأنّ هناك من باشر سريعاً في صبّ الزيت على نار تمايزاتهم من خلال رمي «طعم» استحقاق نيابة رئيس مجلس النواب أمامهم في محاولة للاصطياد في مياههم من خلال ترشيح ملحم خلف لهذا المنصب. إلا أنّ المبالغة أيضاً في اعتماد الخطاب الاعتراضي والذهاب فيه إلى حدّ الانكفاء أو الانزواء في العمل التشريعي، قد يحوّل هؤلاء إلى «نواب نكد» غير منتجين.
وفي حال نجح النواب الجدد في الاتفاق على تحييد أنفسهم عن استحقاق الرئاسة الثانية تحت عنوان عدم الانخراط في وحول القوى السلطوية، فسيكون من الصعب عليهم توحيد كلمتهم ازاء معركة نيابة الرئيس خصوصاً وأنّ البعض يميل إلى عدم الدخول في بازار الأخذ والردّ، والتسويات التي قد يفرضها هذا الاستحقاق.
في المقابل، فإنّ بعض النواب الجدد متحمّس للانخراط في ورشة اللجان النيابية، ليس فقط من خلال المشاركة في هذه اللجان، ولكن رئاستها اذا أمكن أيضاً. وهنا التحدي في الحفاظ على الخيط الفاصل بين العمل البرلماني الناجح والبقاء بمنأى عن «نار» التعاون مع القوى المتهمة من جانب هؤلاء النواب، بالفساد.
يقول أحد هؤلاء إنّ الاتصالات القائمة بينهم تتّسم بالايجابية خصوصاً وأنّ تجارب سابقة تجمع بين العديد منهم ما يسهّل الحوار ويجعله بنّاء، مشيراً إلى أنّ العمل جار على ايجاد اطار واحد، لكن المسألة لم تحسم، لا سيما وأنّ المعطيات تؤكد أنّ هؤلاء لم يتفقوا بعد على ما اذا كانوا بوارد تسجيل التكتل النيابي الجديد، ككتلة واحدة في مجلس النواب، أم أنّهم سيتسجلون كمستقلين فيما التفاهم يُترك لحينه، بمعنى أن يكون «على القطعة»، وحسب الحاجة.
النائب المعني يؤكد أنّ هامش التلاقي بينهم ليس ضيّقاً خصوصاً على المستوى الاقتصادي حيث ستفرض الاستحقاقات المنتظرة الحاجة إلى أن يكونوا صفاً واحداً خصوصاً وأنّ العديد منهم يتفقون على الخطوط العريضة سواء ما خصّ خطة التعافي الاقتصادية وحقوق المودعين، أو برنامج صندوق النقد الدولي وشروطه، كون التنسيق في هذا المجال يحصل مع الجهات نفسها (رابطة المودعين، المفكرة القانونية)، ما يسهّل عملية التشاور بين هؤلاء.
ولعل ما ألمح إليه رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب منذ أيام، حول وجود ثمانية نواب «مكتومي القيد السياسي» خرجوا من صناديق الاقتراع تحت مظلة «التغيير»، أبرز تعبير عن خفايا «صندوق التغيير الأسود»، وما يمكنه أن يقدم من «مُنتجات» خلال المرحلة المقبلة.