أكدت جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة المكتب وأميني السرّ، وبحسب مصادر سياسية مواكبة، بأنها لم تشكل مفاجآت على مستوى النتائج، باعتبار أن فوز الرئيس نبيه بري كان محسوماً، ومن الدورة الأولى، ولكن المعركة كانت سياسية على نيابة رئاسة المجلس، ولكن الفارق كان بسيطاً بين الفائز النائب الياس بو صعب ومنافسه النائب غسان سكاف.
وتابعت المصادر، أن ما جرى في هذه الجلسة، يؤكد أن ليس هناك من يملك الأكثرية المطلقة من كل الأفرقاء والكتل، وهذا ما ظهر بوضوح خلال جلسة الأمس، حيث تبيّن بأن بعض النواب كادوا ينسحبون بعد المسّ بالأعراف واختراع البدع والمزايدات الشعبوية، مما يؤشّر إلى أن هذا المجلس سيكون مختلفاً جذرياً عن المجلس السابق، وحتى عن المجالس التي سبقته بسنوات طويلة، بعدما بات هناك «كتلة تغييرية»، أو ما يسمى بـ «نواب الثورة»، ولكن تنقصهم الخبرة السياسية، وكيفية قراءة التوازنات والمقاربات في البلد.
ومن الطبيعي، تقول المصادر نفسها، فإن هذه الصدامات والمناكفات التي حصلت داخل المجلس بالأمس، مرشحة لأن تشهد تصعيداً أكبر خلال جلسة الثلاثاء المقبل، والمخصّصة لانتخاب رؤساء ومقرّري اللجان النيابية، وبالتالي، لن تكون عملية الإنتخاب ضمن تسويات أو اتفاقات مسبقة كما كان يحصل في السابق، بل سيكون هناك عملية انتخابية، وحيث ستسجّل اعتراضات من أكثر من نائب «تغييري»، وذلك سيُدخل البلد في متاهات جديدة تؤدي إلى ارتفاع منسوب الإنقسام السياسي، مما سيؤثر على إنتاجية المجلس.
ووفق المعطيات والمعلومات، تقول المصادر، إن النواب «التغييريين»، وربما سواهم، سيطرحون مسائل في غاية الحساسية والصعوبة في هذه المرحلة، وإن كان بعضها بنداً أساسياً ضمن اتفاق الطائف، أي إلغاء الطائفية السياسية، مما سيؤدي إلى انقسامات ومناكفات، ومن الطبيعي، فإن هذا الطرح لن يحظى بإجماع نيابي، إضافة إلى بنود أخرى هي بدورها تشكّل مادة خلافية كالزواج المدني وقضايا علمانية أخرى، إلى المداورة في الرئاسات، وربما طروحات قد تُدرَج للمرة الأولى على مستوى المجلس النيابي، أو ضمن الحياة السياسية بشكل عام.
من هذا المنطلق، اعتبرت المصادر، أن جلسة الأمس كانت بداية يُقرأ من خلالها، بأن البلد مقبل على مرحلة صعبة وقاسية ستشهد تحوّلات كبيرة إن على صعيد المجلس النيابي، ولاحقا على المسار الحكومي، الأمر الذي سيؤدي إلى صدامات سياسية وأكثر، وعلى هذه الخلفية، فإن رئيس المجلس النيابي، وعلى اعتبار الجلسة كانت لانتخابه، لم يشأ بأن يكون صدامياً مع النواب، خصوصاً «التغييريين»، ولكنه لاحقاً سيتصدى لأي بحث أو تطرّق لمسائل تعتبر من الأعراف، حيث أن المسّ بها يشكل إخلالاً بالتوازنات، ويسهم في خلق أجواء طائفية ومذهبية وانقسامات، لذا قد تكون جلسة يوم الثلاثاء المقبل، بخلاف جلسة الأمس لناحية إدارتها والإمساك بها، من كل الزوايا أكان من نواب «التغيير» أو سواهم، كي لا تخرج الأمور عن نصابها.
ويبقى أخيراً، وبحسب المصادر، أن اجتماعات متلاحقة ستحصل في الأيام القليلة المقبلة من قبل الكتل النيابية لطرح ممثليها في اللجان، إذ هناك من يتمسّك برؤساء اللجان الذين كانوا في المجلس السابق، فيما، ونظراً للإنهيار المالي والإقتصادي الذي حصل في البلد، وكل ما رافقه من ظروف شكّلت منطلقاً للتظاهرات والإعتصامات ولا زالت مستمرة، فقد يطرح نواب «الثورة» مساراً مغايراً، أو وضع «فيتو» على بعض رؤساء اللجان، بمعنى أن «التغيير» قد يكون شاملاً في هذه الحالة. وبالمقابل، ربما تحصل اصطفافات سياسية ونيابية، وأن ينتقل بعض النواب من ضفة إلى أخرى، في حين أن الأنظار ستبقى مسلّطة على النواب «التغييريين»، وتماسكهم وثباتهم على مواقفهم، بمعنى أن الجلسات القادمة هي اختبار جديد لهؤلاء النواب بعد جلسة الأمس، وكل ما واكبها من «شدّ حبال» وطروحات لم يسبق أن حدثت في الماضي.