وَلَربَّما انْتَفَعَ الفتى بعدوِّهِ
والسُمُّ أحياناً يكونُ شفَاءَ
بيتٌ من الشعر، هو ما سمعناه بلغة النثر في الإحتفال الخطابي الذي يصف فيه سيّد المقاومة عملية شهداء القنيطرة بأنها عملية «جميلة»… بالرغم من عمق ما بلغت من أسىً على الصعيد العاطفي.
وبصرف النظر عن الخصائص الإستشهادية في «الذات الشيعية الدينية»، فلا أظن أن الناحية «الجمالية» التي عناها السيد حسن نصرالله في عملية القنيطرة، تقتصر على عملية الردّ الظافر عليها من مزارع شبعا، بقدر ما يصحّ أن تنبثق منها أبعادٌ جمالية أخرى أقلّها:
1 – تجميل قواعد الإشتباك على الصعيد اللبناني.
2 – تحقيق خطى متقدمة في مجال الحوار السني – الشيعي.
3 – تعزيز وحدة الموقف الوطني والإسلامي والعربي فـي مواجهة الجماعات التكفيرية التي وصفها السيد عن حق، بأنها الحليف الطبيعي لإسرائيل.
هذا يعني أن السيد، بما يمتلك من شكيمة الأقوياء، وحِبْر العلماء، وعصمة الأئمة، مؤهل هو دون غيره لتفعيل هذه «الجماليات» بوحي من الخط الرسالي الذي طيَّبه أهل البيت بالتضحيات الجلائل، وبما يعنيه الشعار: «لأسلمنّ ما سلمَتْ أمور المسلمين».
أنا أعرف أن التاريخ الأموي يعيد نفسه مع هذا المولود الذي إسمه «دولة إسلامية في العراق والشام» بما يحمل ذلك التاريخ من انحرافات دينية لم تتهيّب تشويه المعنى القرآني وتزوير الحديث النبوي.
وهذا يعني أن الرسالة بكل حيثياتها – الروحية والإنسانية – باتت معرضة للإنفلات من قبضة الله وللوقوع في قبضة إله مزيّف، وإذا هي تجنح نحو التقلّص والتناقض والتشويه، وتُستغل ضحية امتزاجها العنيف بأغراض سلطة تكفيرية جائرة.
إنَّ ذلك الإلتباس الإسلامي الخلافي، الذي يخبو في ثنايا التاريخ، يظل مادة ملتهبة تفجرها الأيدي الخارجية في صغائر العقول وأهواء النفوس، ولم تفلح الدعوات الهاديات التي أطلقها رواد الإصلاح في العصر الحديث، فضاعت صرخة جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعلي عبد الرازق، في متاهات التخلّف والتعصب والجهل، «وظل الإسلام محجوباً بالمسلمين»… «وبالصراع الذي تغذّيه دول الإستعمار بين السنة والشيعة».
هذا هو صموئيل هنتنغتن Huntingtan صاحب كتاب صراع الحضارات يقول: «إنَّ للإسلام حدوداً دموية دائمة مع التاريخ، وهو في اقتتال لم يتوقف في الشرق كما مع الغرب»… «وإنَّ المسلمين الذين يشكلون خمس سكان العالم هم أكثر الشعوب الذين دخلوا دوامة العنف وكان الصراع فيما بينهم أكثر مما هو بينهم وبين حضارة أخرى».
أنا لا أخشى القول: إنَّ هذا الواقع الشديد الخطورة، يكاد يشبه ذلك السياق التاريخي الذي تدرّج متضخماً في مرحلة ما قبل كربلاء، ولكنني أخشى أن يصل معي الإستنتاج الى قيام عاشوراء جديدة لتصحيح المسار الديني.
ولكن، ماذا لو أنَّ السيد الذي هو اليوم في طليعة الوجوه الإسلامية العربية وأقواها تفوّقاً، قد تمكّن من ترويض قرون الفتنة وتطبيع قواعد الإشتباك، أَفَلا يَعِدُنا هذا بانتصار إلهي في لبنان؟ يكون به وحده الإنتصار التاريخي للعرب والمسلمين؟