Site icon IMLebanon

«السيّد» حسم أمر الترشيح.. و«الحرم» السعودي «قابل للكسر»؟

اذا ما حيّدنا الخطابات ذات البعد الإقليمي، يمكن القول إنّ خطاب السيّد حسن نصر الله الأخير الذي قدّم مقاربة شاملة للملف الرئاسي، المتنازع عليه، بعد خلطة الاصطفافات السياسية، بين حليف «يوم الدين» و «نور العين»، هو الأكثر قراءة وتفنيداً بين الخطابات المحلية في التاريخ الحديث.

الأرجح أنّ القوى اللبنانية، الحليفة كما المخاصمة لـ«حزب الله»، قامت بتشريح مطالعة السبعة آلاف كلمة، من ألفها الى يائها، مع فواصلها وعلامات استفهامها. حتى أنّها راحت تجتهد قراءةً بين السطور بحثاً عما لم يقله السيد وخبّأه في بطانة الكلمات، مع أنّ الرجل تقصّد الاستفاضة والشرح منعاً من التأويل والتفسير وفقاً لحسابات كل فريق.

بالفعل، صارت «المقاطع» التي عددها الأمين العام بمثابة نقاط ارتكاز يدور البقية من حولها، فيمسك كل فريق، بما يحلو له من جمل وتعابير ليسقطها على حالته ويضع عباءتها على كتفيه، ويضع استطراداً استراتيجيته على أساسها، مع أنّ الرجل لم يخرج عن الخطّ الذي رسمته الضاحية في تعاملها مع الاستحقاق، ولم يقدّم أي معطى استثنائي من شأنه أن يقلب المعادلة القائمة والمرتبطة بفعل الترشّح البديهي للجنرال ميشال عون كونه المسيحي الأقوى.

فهو أعاد التأكيد لمن حاول التشكيك بذلك، أنّ مرشّح الحزب، لأسباب أخلاقية وسياسية، هو رئيس «تكتل التغيير والإصلاح»، الى أن يقول الأخير عكس ذلك، وفي الوقت عينه ذكّر مَن سعى الى اللعب على وتر الضغط الممكن أن تمارسه الضاحية على حلفائها، بأنّ علاقة الحزب بشركائه لا تُبنى على هذه القاعدة.. ومن دون أن ينسف طبعاً ورقة ترشيح سليمان فرنجية وإن أتت من الفريق الخصم، ولو اختلف موارنة «8 آذار» على موقع هذا الترشيح.

بالنسبة لـ «المردة»، فإنّ السيد نصر الله كرّس ترشيح «البيك» ولو أنّ مفعوله قد يكون متأخراً، لكنّ مجرّد ضمّه الى «الباقة الذهبية» يكفيه في هذه اللحظة بالذات، ويحفظ له مكانته على روزنامة الغد.

أما بالنسبة للمتحمسين للعماد عون، فإنّ القراءة لها معناها المختلف. استعاد هؤلاء سَكِينتهم وطمأنينتهم بأنّ مكانة الجنرال المتقدّمة على سواها من الموارنة، لم تتغيّر على سلّم الضاحية الجنوبية. هي لا تزال الأولى. أكثر من ذلك، لا مكان لسواها. وفق هؤلاء، فإنّ إشارة نصر الله الى «فائض القوة الترشّحية» لدى قوى «8 آذار» لا يعني المساواة بين مارونِيَّي هذا الفريق أبداً.

يقولون إنّ الأمين العام أعاد تصويب المشهد الرئاسي وقالها بالحرف الواحد إنّ ميشال عون مرشح الحزب أولاً وأخيراً، أما سليمان فرنجية فأتى ترشيحه من جانب تيار «المستقبل»، ما يعني أنّ الضاحية لا تتحمّل مسؤولية هذا الترشيح، ولا يعني أبداً أنّ الرجل صار «المرشّح ب» للجبهة التي ينتمي اليها، كما يعتقد البعض، لأنّ «البيك» يعرف كما يعرف بقية الحلفاء أنّ آلية اتخاذ القرار داخل «حزب الله» ليست بسيطة وتستدعي القيام بمشاورات داخلية، ولا تختصر ببعص الاتصالات أو تخضع للشخصانية.

ولهذا، يعتقد هؤلاء أنّ قيادات «المردة» تقود حملة ضد ترشيح الجنرال بهدف استيعاب الصدمة التي أثارها كلام السيد وتضييع البوصلة والحدث الذي يُختصر بنظرهم بقاعدة واحدة: الحزب يؤيد الجنرال، ولو على قطع الرقبة!

بنظرهم، إنّ وضع ترشيحَي عون وفرنجية في كفة واحدة، فيه كثير من المبالغة، لأن الفوارق بين الحليفين كثيرة وتترك الأرجحية للأول، إن على مستوى التمثيل الشعبي أو المشروع الذي يحمله أو كيفية التفاهم مع الآخرين القائمة على أسس واضحة تحفظ للمسيحيين حقوقهم من دون تنازلات، الأمر الذي لم يظهره رئيس «المردة» في أدائه خلال السنوات الأخيرة، كما يرى المتحمسون لترشيح الجنرال.

حتى على مستوى العلاقة مع سوريا و «حزب الله» فيها شيء من العلاقات الشخصية والعائلية، كما يعبّر عنها فرنجية بنفسه حتى لو وصفها بالاستراتيجية، بينما الجنرال حريص على تنظيم شبكة علاقاته مع الحلفاء قبل الخصوم، من خلال وثائق مكتوبة تكون بمثابة دليل إدانة في حال الإخفاق قبل أن تكون إثبات حسن نيّة. ولهذا استدعى التواصل مع «القوات» عشرات اللقاءات وتمزيق عشرات الأوراق قبل بلوغ مرتبة التفاهم.

ولهذا، يركّز المتحمسون للجنرال اهتمامهم على ما تبقى من الطريق للوصول الى بعبدا. بنظرهم فقد بلغوا الشوط الأخير الذي يتطلب بعض المشاورات الداخلية والإقليمية لتتويج هذا المسار الطويل. لا يعني الأمر أنّ أياماً قليلة تفصل عن اليوم الكبير، لكن ما كان صعباً خلال المرحلة الماضية، صار قابلاً للتحقيق خلال المرحلة المقبلة.

ينطلقون من التفاهم مع «القوات» ليثبتوه على أنّه حجر أساس ينضم الى حجارة تفاهم «مار مخايل» ليشكلا معاً أرضية ثابتة يمكن الوقوف عليها لبناء العمارة الرئاسية، حيث يفترض استكمال مشهد التناغم العوني ـ القواتي بانضمام بقية القوى المسيحية الى «الإطار الجامع». وهذا ما تشدد عليه البطريركية المارونية المتحمسة لهذا الالتقاء وترغب بتوسيع حلقته، من دون أن يعني ذلك أنّها تتبنى أي ترشيح على حساب آخر.

لكن مجرّد إمساك القوى المسيحية بزمام المبادرة الرئاسية، يريح سيّد الصرح وينزل عن كتفيه بعض الأعباء من جرّاء انقسام المسيحيين وتشلّع أصواتهم بين الجبهات غير المسيحية، ما يضعف موقفهم.

هكذا يعتبرون أنّ التفاهم المسيحي هو ضمانة للآخرين، سواء في الداخل أم في الخارج، وهذا ما يبوح به بعض السفراء الغربيين أمام من يلتقونهم من مسؤولين عونيين وقواتيين.

وبهذا المعنى، صار بإمكانهم الجزم بأنّ «الحرم السعودي» صار قابلاً للكسر، كون التفاهم المسيحي ضمانة قوية لاتفاق «الطائف» الذي تسعى الرياض الى حمايته برموش العيون، وهذا ما يُعمل عليه من خلال الاتصالات التي يجريها سمير جعجع داخلياً وخارجياً، بالتزامن مع سلسلة اتصالات سيقودها مسؤولون عونيون مع الحلفاء والخصوم، وتحديداً الرئيس نبيه بري وسليمان فرنجية وحتى سعد الحريري، سعياً لتوسيع رقعة التفاهم.

بالنتيجة، الصورة صارت شبة واضحة في أذهان المتحمسين للجنرال. «السيّد» رسم سقف قوى «8 آذار»، والعمل سيكون تحت هذا السقف. هو أطلق صفارة البداية للشوط النهائي، وسيتمّ التواصل مع الآخرين وفق القاعدة التي حددها نصر الله، والتي قد تكون أيضاً بمثابة «تخريجة» تتيح لزعيم «تيار المستقبل» إخراج نفسه من خانة تأييد القطب الزغرتاوي.