توقفت طويلاً عند تشبيه فخامة الرئيس ميشال عون الواقع اللبناني (بالتيتانك)، تلك السفينة الفخمة والحديثة التي اصطدمت بجبل الجليد ولم تكمل رحلتها الاولى والوحيدة، وكان مصيرها الغرق مع غالبية ركابها لعدم وجود زوارق نجاة كافية للإنقاذ،واعتقد ان توصيف فخامة الرئيس الواقع اللبناني بتلك السفينة يستدعي الاستنفار العام والتعامل معه بجدية ومسؤولية، وخصوصا ان كل اللبنانيين ومن كل الأجيال شاهدوا فيلم تيتانك الذي صور الحب والكراهية داخل مجتمع السفينة الواحدة والمصير الواحد والذي ظهر جلياً عند وقوع المأساة بين حق الأغنياء بالنجاة ومصير الفقراء الغرق والفناء.
اعتقد بأن فخامة الرئيس كان يريد القول بأننا مواطنون في وطن واحد ومجتمع واحد وعلى متن سفينة واحدة،إما ان ننجح معا او نغرق معا، ولكن الاستشهاد بالتيتانك لا يؤدي الى ذلك المعنى الإيجابي، لان تيتانك كان مصير رحلتها الاولى المحتم هو الغرق ، مع استحالة الوصول بركابها الى شاطئ الامان، والحقيقة المرة هي ان الدولة السفينة في لبنان قد أضلت المسار وأبحرت في بحر من الألغام العائمة واصطدمت بكتل الاحقاد والكراهية العمياء التي تعم البلاد، وما محاولة كل فئة النجاة بنفسها الا تأكيد على بداية غرق سفينة لبنان الواحد والمجتمع الواحد في بحر من الادعاء والارتجال والغباء.
لا اعتقد بأن فخامة الرئيس بحديثه عن السفينة تيتانك أراد التذكير بقصة الحب الرائعة التي جمعت تلك الفتاة الأرستقراطية مع ذلك الشاب المغامر الفقير الذي منعها من الانتحار، تلك الفتاة التي فضلت الحب على الثروة والسلطة وجسدت وفاءها عندما رفضت الحرية والنجاة مقابل التخلي عن حبيبها المقيد بأغلال الكراهية والأحقاد، ذلك الشاب المفعم بالحياة والعطاء الذي ابحر بحبيبته الى خشبة الخلاص والأمان ثم فارق الحياة، واعتقد بأن فخامة الرئيس أراد ان يعبر بلغة الربان المسؤول والقلق على سلامة كل الركاب وان يحذر من حجم التصدع الذي اصاب الدولة السفينة نتيجة اصطدامها بكتل التعصب والاستئثار والمكارهة الطائفية الحمقاء والتي أغرقت على مر التاريخ كل سفن لبنان.
أخذني حديث فخامة الرئيس عن التيتانك الى الروائي اللبناني العالمي أمين معلوف في روايته (سمرقند) والذي استطاع ان يختصر ما حدث في بلاد فارس وحولها من ممالك ونظم ومؤامرات وابداعات وعلوم وتيارات ونزاعات قبلية وعرقية ودينية ومذهبية خلال ما يقارب تسعماية عام من ١٠٧٢ الى العام ١٩١٢ تاريخ غرق السفينة تيتانك، وكاتب الرواية يرى بأن خلاصة كل تلك السنوات كانت في مخطوط عمر الخيام من نيسبور الى سمرقند الى أصفهان الى قلعة الحشاشين في آلموت ومع تحولات المنطقة التي حدثت خلال البحث عن المخطوط من القاهرة الى اسطنبول الى طهران وصولا الى وجود المخطوط على متن تيتانك وغرقه في المحيط الأطلسي، وربما أراد أمين معلوف صاحب الهويات القاتلة ايضا ان يسقط نزاعات الماضي على حاضر المنطقة وأن يذكر اللبنانيين بالسفينة التي صُنعت من خشب الأرز وحملت الأبجدية للإنسانية جمعاء، وكيف أغرقها الورثة بالجهل والاحقاد والمغامرات الوهمية ومحاربة طواحين الهواء وصدق فخامة الرئيس عندما تحدث عن مخاطر ترف الخلافات على غرق الدولة السفينة في لبنان .